الخطبة الثانية
  يخورُ في دمِهِ.
  فصاحَ بأعلى صوتِهِ: يا أخاه، يا حسيناه، عليكَ مني السلامُ.
  فلما سمعَ الحسينُ صوتَهُ انقضَّ نحوَهُ كالنسرِ، ففرَّقَهم عنه وانحنى عليه باكيَ العينِ، وحاولَ أن يجرَّ العباسَ إلى المخيمِ فأشارَ إليه العباسُ بكلامٍ خفيٍّ أن يتركَهُ في مكانِهِ، وألا يذهبَ به إلى المخيمِ وليس لديه ماءٌ كما وَعَدَهم، والقربةُ قد مزَّقَها القومُ وأراقوا منها الماءَ، فتركَهُ الحسينُ في مكانِهِ، وفاضتْ روحُهُ إلى بارئِها في رحمةِ اللهِ.
  عليه سلام الله ما هبت الصَّبا ... وأعداءه منَّا لهم ألف لعنة
  ولما قُتِل العباسُ لم يبقَ مع الحسينِ من أهلِ بيتِهِ إلا بعضُ الفتيةِ الذين هم دونَ سنِّ البلوغِ، وكان الحسينُ يحرصُ على بقائِهم.
  فكانوا يتمارقون من بين الخيامِ خلسةً، ويتوجهون نحوَ الأعداءِ، والحسينُ # يردُّهم، ويأمرُ النساءِ أن يعيدوهم ولكنهم أصروا على الخروجِ ومع كلِّ واحدٍ سيفٌ يجرُّهُ وراءَهُ قد أجهدَهُ حملُهُ لصغرِ سِنِّهِ ولِمَا به من التعبِ والظمإِ.
  فبرزَ القاسمُ بنُ الحسنِ $ والنساءُ يتعلقنَ به ويحاولنَ رَدَّهُ، ولكنه أبى وقالَ: دعوني أجاهدُ بين يدي عمي الحسينِ أفديه بروحي، وأقيه بنفسي.
  وكان القاسمُ هذا ابنُ أخِ الإمامِ الحسينِ وقد أوصاه عند موتِهِ أن يزوجَهُ بابنتِهِ، ولم يتمكنْ الحسينُ من تنفيذِ الوصيةِ إلا في كربلاءَ فزوَّجَهُ الحسينُ في ذلك اليوم بابنتِهِ، ولكن القاسم لم يجلس عندها ولم يرها قط.
  فقالت له النسوةُ: يا قاسمُ، ما تصنعْ بعروسِكَ؟ إنك ما زلتَ عريساً فلمن تترك عرسك.
  قال: أخرت عرسي إلى يوم القيامة.
  ثم تقدم إلى عمِّهِ الحسينِ وطلبَ منه أن يأذنَ له في المبارزةِ، فمنعَهُ الحسينُ