سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 356 - الجزء 2

  وها هو علي الأكبرُ يعودُ ليسألَ أهلَهُ قطرةً من ماءٍ فلا يجدُها.

  فكررَ القولَ: يا أبه، العطشُ فتتَ كبدي.

  فقال له الحسينُ #: اصبرْ حبيبي قليلًا، وارجعْ إلى القتالِ، فإنك لا تُمسي حتى تلقى جدَّكَ رسولَ اللهِ فيسقيكَ بكأسِهِ الأوفى شربةً لا تظمأُ بعدها أبدا، فهجمَ علي الأكبرُ على القومِ وقاتلَهم حتى أجهدَهُ التعبُ، وتكاثروا من حولِهِ، فطعنوه في ظهرِهِ، وضربوه على رأسِهِ، فانحنى علي على رقبةِ الجوادِ فاعتنقها، ونادى بأعلى صوتِهِ: يا أبتي عليك مني السلامُ، هذا جدِّي رسولُ اللهِ قد سقاني بكأسِهِ شربةً لا أظمأُ بعدها أبدًا، فحملَهُ الجوادُ إلى معسكرِ الأعداءِ وهو غائبٌ عن الوعي من شدةِ الضربةِ وألمِ العطشِ، فاستقبلَهُ الأعداءُ بالسيوفِ، وقطَّعوه إرباً إرباً.

  فأسرعَ إليه الحسينُ # وفرقَهم عنه فوجدَهُ صريعًا مقطعًا بالسيوفِ، فبكى الحسينُ وقالَ: على الدنيا بعدك العفا يا بني، قاتلَ اللهُ قوماً قتلوك، ما أجرأهم على اللهِ وعلى انتهاكِ حرمةِ رسولِ اللهِ.

  فحملَهُ الحسينُ وجمع ما تناثرَ مِن أعضائِهِ، وذهبَ به إلى المخيمِ، ووضعَهُ بجانبِ إخوته.

  وبينما هم يبكون عليه إذ جاءوا بجثةِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ جعفر، وألقوها بجانبِهِ، وما هي إلا برهةٌ قصيرةٌ حتى جاؤوا بجثةِ أخيه عونٍ الولدِ الثاني لزينبَ بنتِ علي.

  وهكذا تساقطَ رجالُ بني هاشمٍ الواحدُ تلوَ الآخر، فبرزَ أبناءُ جعفرٍ فقتلوا، وبرزَ أبناءُ عقيلٍ فقتلوا، وذهبوا إلى ربِّهم شهداءَ أبرارَ أتقياءَ، فرحين بما آتاهم اللهُ من فضلِهِ، {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} وقد ذكرَ صاحبُ الاعتبارِ وسلوةِ العارفين عن محمدِ بنِ الحنفيةِ أنه قالَ: قُتل مِنَّا مع