الخطبة الثانية
  الحسينِ بنِ عليٍّ سبعةَ عشرَ شابًا كلُّهم قد ارتكضَ في بطنِ فاطمةَ بنتِ أسدٍ $، وهؤلاءِ هم خيرةُ الخيرةِ مِن أهلِ البيتِ.
  فكم قتلوا من آل أحمد سيدًا ... إمامًا زكت أعراقه ومناقبُه
  فلم لا تمور الأرض حزنًا وكيف لا ... من الفلك الدوار تهوي كواكبُه
  عبادَ الله:
  بينما أهلُ البيتِ في بكاءٍ وعويلٍ على مَن ذهبَ من القتلى إذ غشي على طفلٍ صغيرٍ من شدةِ العطشِ وألمِ الظمإِ، فكان يرتعشُ من العطشِ كالطيرِ المذبوحِ يعالجُ سكراتِ الموتِ، فطلبوا من الحسينِ أن يأخذَ الطفلَ إلى القومِ لعلهم يرِقّون لحالِهِ ويرحمونَهُ بشربةٍ من الماءِ.
  عندها حملَ الحسينُ # الطفلَ بين يديه وهو يعلمُ علمَ يقينٍ أن القومَ لن يجيبوه، ولكن إبلاغًا للحجةِ حتى لا يبقى لهم عذرٌ عندَ اللهِ.
  وتوجه الحسينُ إلى القومِ والطفلُ بين يديه ونادى: يا قومُ، قد قتلتم أصحابي وأهلَ بيتي، ولم يبق عندي سوى هذا الطفلِ وهو يتلظى عطشًا، ارحموه لصغرِ سِنِّهِ، فليس عليه جنايةٌ، ولا يدري ما الغايةُ، خذوه فاسقوه شربةَ ماءٍ، فإنه قد أشرفَ على الهلاكِ.
  وبينما القوم في خلافٍ من أمرِهم وتنازعٍ في الذي يردون عليه والحسينُ منتظرٌ لما يجيبون إذا بسهمٍ غادرٍ قد مَرَقَ من بين القومِ فوقعَ في عنقِ الطفلِ فذبحَهُ من الوريدِ إلى الوريدِ.
  فلما أحسَّ الطفلُ بحرارةِ السهمِ اعتنقَ أباه وصاحَ صيحةً عظيمةً سمعها أهلُ المعسكرِ.
  فجعلَ الحسينُ يضعُ يدَهُ تحتَ دمِ الطفلِ، وكلما امتلأتْ رمى به نحوَ السماءِ فما