الخطبة الثانية
  رجعَ منه قطرةٌ، وهو يقول: هكذا ألقى جدِّي رسولَ اللهِ على هذه الحالةِ، ثم رجعَ بهِ الحسينُ إلى المخيمِ قد غرقَ في دمائِهِ وقد فارقَ الحياةَ.
  عبادَ الله:
  رحلَ عن الحسينِ أهلُهُ وشيعتُهُ وأنصارُهُ ومن تبعَهم من الغلمانِ والأطفالِ نحوَ الفردوسِ الأعلى إلى جوارِ رسولِ اللهِ وعليٍّ والحسنِ وفاطمةَ À أجمعين، وبقيَ الإمامُ الحسينُ # وحيدًا في أرضِ المعركةِ يقاسي العطشَ ونزفَ الجراحِ، والطواغيتُ يحيطون به من كلِّ مكانٍ.
  فكان تارةً يكرُّ عليهم حتى يفرقَهم، وتارةً يعودُ إلى مخيمِ النساءِ يحميهن ويخففُ عليهن.
  فاشتدَّ عليه العطشُ، وبلغَ به الظمأُ كلَّ مبلغٍ، فطلبَ من القومِ الماءَ، فردوا عليه في سخريةٍ واستهزاءٍ: الماءُ أمامَكَ فتقدمْ لتشربَ إن استطعتْ.
  فثارت حميةُ الحسينِ وحملَ على القومِ يضربُهم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ، واخترقَ الصفوفَ وفرقَ الجنودَ حتى وصلَ إلى الماءِ، فترجلَ عن جوادِهِ، وملأَ كفَّهُ بالماءِ، فلما أدناه من فمِهِ رماه الحصينُ بنُ نميرٍ بسهمِ في فمِهِ فأحمرَ الماءُ في يدِهِ من الدماءِ، فصارَ الحسينُ يتلقى الدمَ بيدِهِ ثم يرمي به إلى السماءِ وهو يحمدُ اللهَ ويثني عليه، ويقولُ: اللهم إني أشكو إليكَ ما يُصنعُ بابنِ بنتِ نبيئِكَ.
  رجعَ الحسينُ من على الماءِ عطشانًا قد أنهكَهُ الظمأُ ولسانُ حالِهِ.
  شيعتي إذا شربتم عذبَ ماءٍ فاذكروني
  شيعتي كلما هممتم بالشربِ وأدنيتم الماءَ الباردَ من أفواهِكم فتذكروا عطشي وحرَّ كبدي، وما أعانيه من الظمإِ في أرضِ كربلاءَ مع الأطفالِ والنساءِ.
  عبادَ الله:
  استفردَ الجيشُ بالحسينِ # بعد رحيلِ أصحابِهِ عنه شهداءَ، تكالبُ القومُ