الخطبة الثانية
  على الإمامِ الحسينِ من كلِّ جانبٍ، وأحاطوا به من كلِّ ناحيةٍ، وتكاثروا عليه، وأخذوا يرشقونه بالنبالِ، حتى أجهدَهُ التعبُ والعطشُ وكثرةُ جراحِهِ، فمالَ عن ظهرِ جوادِهِ صريعًا على الأرضِ، فتقدمَ نحوَهُ الشمرُ اللعينُ واحتزَّ رأسَهُ وهو يستغيثُ بشربةِ ماءٍ فلم يجيبوه، فذبحوه وهو عطشانُ، وسلبوه درعَه، وعرّوه من ثيابِهِ إلا سراويلَ باليةٍ لا مطمعَ فيها كان قد لبسَها خوفًا من أن تُكشفَ عورتُهُ، وداسوا جسدَهُ الشريفَ بحوافرِ الخيلِ حتى مزقوه، وتركوه ومن معه من الشهداءِ في أرضِ كربلاءَ، بلا دفنٍ ثلاثةَ أيامٍ تحتَ الشمسِ، وطعاماً للطيرِ والسباعِ، ولم يكتفوا بذلك بل توجهوا نحوَ خيامِ الأطفالِ والنساءِ، نحو حرمِ رسولِ اللهِ ÷ وأضرموا النارَ في الخيامِ وروّعوا من تبقى من الأطفالِ، وأرهبوا النساء، وأخذوا يسلبون ما عليهن من اللباسِ والحُلي، حتى الأقنعة وما يغطين به رؤوسهنَّ، بل روي أن أحدهم رأى قرطاً [خرصاً] في أذنِ فاطمةَ الصغرى بنتِ الحسينِ فحاول أخذَهُ فلم يقدرْ فقرضَهُ وأدمى أذنها، ونزعَهُ والدمُ منها يسيل، ثم نظرَ إلى خلخالٍ في رجلي طفلةٍ صغيرةٍ فعالجَهُ وأخذَهُ، فأخذَ النسوةُ يصحن ويستغثن ولكن لا ناصرَ ولا مغيثَ، فضربوهنَّ ضربًا مؤلمًا، وساقوهنَّ كما تساق السبايا حاسرات، موثوقاتٍ بالحبالِ كالعبيدِ، ورأسُ الحسينِ # ورؤوسُ أهلِ البيتِ الكرامِ مغروزةٌ في رؤوسِ الرماحِ تتقدمُ الموكبَ الذي يشقُّ طريقَهُ إلى دارِ الخلافةِ إلى عند يزيدَ بنِ معاويةَ في الشام، ونساءُ رسولِ اللهِ ومحارمُهُ في أسوإِ حالٍ، حاسراتٍ يدورون بهنَّ في البلدانِ، ويطوفون بهن من مكانٍ إلى مكانٍ، وكلما وصلوا إلى مدينةٍ استقبلهم أهلها وهم ينظرون إلى حرمِ رسولِ اللهِ وبناتِهِ ÷، ورؤوسُ أهلِ البيتِ على رؤوسِ الرماحِ، فهل هذا جزاءُ رسولِ اللهِ ÷؟ وهل هذه هي المودةُ التي أمرَ بها اللهُ؟ وهل هذا هو أجرُ تبليغِ الرسالةِ.