الخطبة الثانية
  {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ٤٢ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء}
  ماذا لآل أمية عصب الشقا ... عند النبي محمد من ثار
  شقيت أمية سوف تلقى ربها ... يوم القيامة خشع الأبصار
  ولما دخلت النساء إلى الكوفةِ أخذَ نساءُ أهلِ الكوفةِ يبكين على نساءِ أهلِ البيتِ.
  فقالت لهم أمُّ كلثوم أختُ الحسينِ سلامُ اللهِ عليهما: ويلكم يا أهلَ الكوفةِ، رجالُكم يقتلوننا ونساؤكم يبكين علينا، فقبحًا لكم، لقد جئتم شيئًا منكرًا، ثم أنشدت شعراً تقول فيه:
  ماذا تقولون إن قال النبيُّ لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخرُ الأممِ
  بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى وقتلى ضُرِّجُوا بدمِ
  ما كان هذا جزائي إذ نصحتُ لكم ... أن تخلفوني بسوءٍ في ذَوي رحمي
  عبادَ الله:
  لقد ارتحلَ أهلُ البيتِ من كربلاءَ إلى الكوفةِ، ثم من الكوفةِ إلى دمشق في رحلةٍ مضنيةٍ متعبةٍ تتقطعُ لها القلوبُ، وتنقطعُ دونها حياجينُ الصبرِ، ورأسُ الحسينِ # في مقدمةِ الموكبِ شامخاً في الهواءِ على رأسِ رمحٍ، وكلما نظرَ النسوةُ من أهلِ البيتِ والأطفالِ إليه زادوا في البكاءِ والعويلِ، إلى أن وصلوا على أبوابِ دمشقٍ، وخرجَ الناسُ على جنباتِ الطرقاتِ يتفرجون على هذا المشهدِ المرعبِ.
  قال سهلُ الشهروزي: كنت حاضرًا عند دخولِهم إلى دمشقٍ فنظرتُ إليهن فإذا فيهن طفلةٌ صغيرةٌ على ناقةٍ مهزولةٍ، وهي تنادي: (وا أبتاه وا حسيناه)، ثم