الخطبة الثانية
  والقرآنِ فقالَ:
  لعبتْ هاشمُ بالملكِ فلا ... خبرٌ جاءَ ولا وحيٌ نزل
  عبادَ الله:
  لقد فتحَ يزيدُ بنُ معاويةَ أبوابَ قصرِهِ فدخلَهُ البرُّ والفاجرُ ليشاهدوا رأسَ الحسينِ ونساءَه وأبناءَه وهم في أسوإِ حالٍ، وذلك قصداً منه ليشمتَ بأهلِ البيتِ ويستذلَّهم ويهينَهم، [وروي أن كان ممن حضرَ في ذلك المجلس رجلٌ نصرانيٌّ من أهل الذمةِ، فلما نظرَ إلى رأسِ الحسينِ # وهو بين يدي يزيدَ، ورأى ما على ذلك الرأسِ من المحاسِنِ المحمديةِ، والصفاتِ الحيدريةِ، والمناقبِ الفاطميةِ، والهالةِ من النورِ التي تكسو وجهَهُ تعجبَ النصرانيُّ من ذلك، فقالَ: يا يزيدُ، لمن هذا الرأس، فقال يزيدُ: هذا رأسُ الحسينِ بنِ فاطمةَ الزهراءِ بنتِ رسولِ اللهِ.
  فقالَ النصرانيُّ ومَن قتله؟ فقال يزيدُ: قتلَهُ عاملي ابنُ زيادٍ في العراقِ، حيثُ طلبَ الخلافةَ لنفسِهِ.
  فقال النصرانيُّ: ومَن يكونُ أحقُّ بالخلافةِ منه وهو ابنُ رسولِ اللهِ، نبيِّكم ورسولِكم، فتبًّا لكم ولدينكم إن كان يأمرُكم بهذا العملِ، فلي دينٌ خيرٌ من دينِكم.
  ثم قال: اعلم يا يزيدُ أن أبي مِن أحفادِ داوودَ النبيِّ وبيني وبينه أجدادٌ كثيرةٌ، والنصارى يعظمونني ويأخذون الترابَ من تحتِ أقدامي، وأنتم بالأمسِ كان نبيُّكم بينكم، أفتقتلون أبناءَهُ وذريتَهُ وتعذبون حريمَهُ، فقبحًا لكم.
  فقال يزيدُ: لولا أن بلغني عن رسولِ اللهِ أنه قال: «من قتل ذميّاً معاهداً كنت خصمَهُ يوم القيامة» لقتلتك لأجلِ تعرضِكَ بهذا الكلام.
  فقال النصراني: واعجباً لجهلك يا يزيدُ، أيكونُ رسولُ اللهِ خصمَ مَن قتلَ معاهدًا ولا يكون خصمَ من قَتَلَ أبناءَهَ وسَاقَ بناتَه.