سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 363 - الجزء 2

  فقال يزيدُ: اقتلوه لئلا يفضحنا.

  فقال النصراني: أتريدُ أن تقتلَني، قال: لا بُدَّ من قتلِك، فالتفت النصرانيُّ إلى الحاضرين حولَه وقالَ: إني رأيتُ البارحةَ رسولَ اللهِ نبيَّكم وهو يقولُ لي: يا فلان، أنت معنا في الجنةِ.

  ثم إنه نطقَ الشهادتين وأعلنَ إسلامَهُ من ساعتِهِ، ثم وثبَ على رأسِ الحسينِ وجعلَ يقبلُهُ ويبكي، ثم أمر يزيدُ بقتلِهِ فقُتلَ بعد ذلك، قُتلَ بعد أن علَّمَ يزيدَ الغويَّ وحاشيتَهُ الفاسدةَ درسًا في الوفاءِ والثباتِ على مبدإِ الحقِّ ولو كان في ذلك خروجُ روحِهِ، علَّمهم كيف يقولون كلمةَ الحقِّ وكيف يواجهون الباطلَ مهما كلفَ ذلك من ثمنٍ.]

  عبادَ الله:

  هذه قطرةٌ من مطرةٍ من سيرةِ كربلاءَ وما حملتْ في طياتِها من الأحزانِ والآلامِ، ولولا ضيقُ المقامِ لَزِدْنا، ولكنْ في القليلِ العظةُ والعبرةُ.

  وهذه نبذةٌ يسيرةٌ من تاريخِ بني أميةَ وآلِ أبي سفيانَ الحافلِ بالجرائمِ والآثامِ والمجازرِ التي ارتكبوها، والتي راحَ ضحيتَها الآلافُ، والتي من أشدِّها فظاعةً وقعةُ (الحَرِّةِ) تلك الواقعةُ المؤلمةُ التي دارت رحاها في مدينةِ رسولِ اللهِ والتي كان الضحيةُ فيها هم أبناء الصحابةُ من المهاجرين والأنصارِ، وذلك عندما أمرَ يزيدُ جيشَهُ باقتحامِ مدينةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ واستباحَها للجندِ ثلاثةَ أيامٍ ينهبون ويقتلون ويسلبون وينتهكون الأعراضَ ويغتصبون النساءَ الطاهراتِ من بناتِ المهاجرين والأنصارِ، وأجبروهم على أن يبايعوا ليزيدَ بيعةَ عبوديةٍ وأنهم عبيدٌ له يتصرفُ فيهم كيف يشاءُ، ومن قال: أبايعُ على سنةِ اللهِ ورسولِهِ ضُربتْ عنقُهُ، بل يقول: أبايعُ على أني عبدٌ ليزيدَ بنِ معاويةَ، وقد خُتمَ في هذه البيعةِ على أعناقِ وأيدي بقيةِ الصحابةِ على أنهم خَوَلٌ وعبيدٌ ليزيدَ.