الخطبة الأولى
  يكنْ نابِعاً من صميمِ القلبِ، فمَن قال بلسانِه وقلبُه مخالفٌ له؛ فلا يخلو إما أن يكونَ مجنوناً لا يعقلُ ما يقولُ، فلا إثمَ عليه، وإما منافقاً يُظهرُ شيئاً ويُبطنُ غيرَه، من الذين يقولون بألسنتِهم ما ليس في قلوبِهم، فموعدُه أسفل دركٍ من النارِ كما قال اللهُ تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}.
  عبادَ الله: إنَّ الذي يقولُ ما لا يفعلُ مع اعتقادِه بوجوبِه، ويكتفي مِن الإيمانِ بالقولِ باللسانِ فهو من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم في نارِ جهنم، وقد أوضحَ اللهُ ذلك كلَّه وأبانه في سورةٍ قصيرةٍ من سور القرآنِ لو تدبرناها، قال تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ٣} فقد أقسمَ اللهُ ø بأنَّ كلَّ إنسانٍ خاسرٌ، محكومٌ عليه بالهلاكِ، إلا الذي آمنَ وصدّقَ بكلِ ما جاء به الرسولُ من ربه.
  وأيضاً فإنَّ إيمانَه وتصديقَه لا ينفعُه شيئاً ولا ينجيه من الخسران، إلا إذا عملَ بمقتضى ما علمَه وصدّقَ به، فقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، وأيضاً فإن الإيمانَ والعملَ بالصالحاتِ منوطٌ بالتواصي بالحقِّ والصبرِ على فعلها والمداومةِ عليها، فهذا هو خلاصةُ معنى سورةِ العصرِ.
  عبدَ الله: تعال معي لنعرضَ صوراً من واقعنا تحت مجهرِ القرآنِ نستضيءُ بنورِه ونتبصرُ بهداه، علَّنا أن نُحاسِبَ أنفسَنا ما دُمنا في مُهلةٍ من أعمارِنا وقبلَ أن نندمَ حيثُ لا ينفعُ ندمٌ ولا حسرةٌ.
  كلٌّ منا يسألُ نفسَه هل نحنُ صادقون مع أنفسِنا ومع ربِّنا؟ هل طابقت أفعالَنا أقوالُنا؟ وهل طابقت أقوالُنا قلوبَنا ونياتِنا.
  كلُّ واحدٍ منا يرددُ كلَّ يومٍ (الله أكبر).
  ما معنى هذه العبارةِ؟ معناها أنه لا أكبر، ولا أعظمَ ولا أجلَّ مِن اللهِ، وأنه أكبرُ من كلِّ كبير وأعظمُ من كل عظيمٍ.