سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 379 - الجزء 2

  بن خالد القسري عامل هشام على المدينةِ بالإمامِ زيدٍ وأهلِ بيتِهِ أشدَّ الأذى فصبرَ على ذلك، واحتسبَ عند اللهِ الثوابَ حتى ضاقتْ نفسُهُ، فذهب يشكوه إلى هشامِ بنِ عبدِ الملكِ فلم يأذن له هشامٌ بالدخولِ، فكتبَ له كتاباً، فكتب هشامٌ في أسفلِها: ارجعْ إلى منزلِكَ.

  فقال زيد: واللهِ لا أرجعُ أبدًا.

  فأذن له بالدخولِ فأهانَهُ واستذلَّهُ ولم ينصفْهُ ممن ظلمَهُ.

  وروي أن يهوديًّا كان في مجلسِ هشامِ بنِ عبدِ الملكِ يسبُّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فانتهرَهُ الإمامُ زيدُ # وقال: يا كافرُ، أما واللهِ لئن تمكنتُ منكَ لاختطفنَّ روحَك، فقال له هشامٌ: مهٍ يا زيدُ، لا تؤذِ جليسَنا. انظرْ إلى أي مدى بلغَتْ بهمُ الوقاحةُ والعداءُ للدينِ وأهلِهِ يأتي هشامُ بنُ عبدِ الملكِ فينصبُ نفسَهُ خليفةً للمؤمنين ويفتحُ بابَ الإمارةِ لليهودِ والكفرةِ ويمنعُ عنها المؤمنين البررةَ فيتجرأُ ذلك اليهوديُّ على النيلِ مِن رسولِ اللهِ ÷ على مرأى ومسمعٍ من إمامِ المسلمين الكاذبِ وأعوانِهِ الخونةِ فيقومُ الإمامُ زيدٌ ليدافعَ عن رسولِ اللهِ فيقفُ في وجهِهِ هشامٌ ليدافعَ عن اليهوديِّ على حسابِ عرضِ رسولِ اللهِ، فإنا للهِ وإنا إليه راجعون، ولم يكتفِ هشامٌ وأعوانُهُ بذلك، بل لقد تآمروا على إذلالِ الإمامِ زيدٍ # فادعى خالدُ القسريُّ زوراً أن عند الإمامِ زيدٍ له ديناً، وعندما زادَ الظلمُ بالمسلمين، واشتدَّ الأمرُ وعظمَ على المستضعفين قررَ الإمامُ زيدٍ # الانتصارَ للأمةِ، ورفعَ الظلمِ عنها، وإحياءَ السننِ، وإماتةَ البدعِ، والقضاءَ على المنكراتِ.

  رجعَ الإمامُ زيدٌ من عندِ هشامٍ كئيبًا حزينًا لم يجيبوا له طلبًا، بل زادوه سخريةً وإهانةً وإذلالًا، وفي طريقِهِ إلى المدينةِ لحقَهُ أهلُ الكوفةِ، ووعدوه النصرةَ والعونَ فلم يسمعْ لقولِهم لِمَا يعلمُ من خدعِهم ومكرِهم، فضمنوا له مائةَ ألفِ مقاتلٍ يقاتلون بين يديه، وأعطوه العهودَ والمواثيقَ البالغةَ على ذلك فقبلَ منهم، فعلمَ بخبرِهِ يوسفُ بنُ عمرَ الثقفيُّ والي العراقِ فجدَّ في طلبِهِ، فأعلنَ الإمامُ زيدٍ