سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 380 - الجزء 2

  الجهادَ قبلَ أوانِهِ، ودعا أنصارَهُ وأتباعَهُ فانقلبوا على أعقابِهم وخذلوه كما خذلوا جدَّهُ الحسينَ #.

  فلم يستجب له إلا ثلاثُمائةِ رجلٍ خرجَ بهمُ الإمامُ زيدٍ ليواجهَ جيوشَ بني أمية التي بلغتْ خمسةَ عشرَ ألفِ مقاتلٍ أو يزيدون، وبدأتِ المعركةُ وثبتَ الإمامُ زيدٍ وأنصارَهُ ثباتَ الجبالِ، وقاتلوا قتالًا عظيمًا مدةَ ثلاثةِ أيامٍ، ووقفت جموعُ بني أميةَ عاجزةً أمامَ إيمانِ تلك الثلةِ المؤمنةِ.

  وتراجعت خيولُهم القهقرى، وشارفَ الإمامُ زيدٍ على النصرِ وأوشكَ على الظفرِ.

  يا ليتني كنت الفداء وأنه ... لم يجر فيه من الأعادي ما جرى

  باعوا بقتلك دينهم تبًّا لهم ... يا صفقة في دينهم ما أخسرا

  ولكن الأمويين استعانوا بالسهامِ والنبالِ، فرشقوا الإمامَ وجيشَهُ بالسهامِ فانهالت عليهم كوابلِ المطرِ من كلِّ جانبٍ، وانطلق من بين تلك السهامِ سهمٌ غادرٌ استقرَ في جبينِ الإمامِ # فبلغَ الدماغَ، ولفظَ الإمامُ زيدٍ نفسَه، وفاضتْ روحُهُ الشريفةُ كريمةً عزيزةً إلى بارئِها، قد أدت واجبَها وأبلغت جهدَها، وذلك في آخر جمعةِ من محرمٍ الحرامِ سنة ١٢٢ هـ وعمره ٤٦ سنةً، رحل إمامُ الأمةِ وقائدَها، رحلَ بعد أن أبلى بلاءً حسنًا في نصرةِ المستضعفين، ورفعِ الظلمِ عنهم، رحل وأوصى ولدَهُ يحيى بأن يواصلَ المشوارَ قائلاً: (يا بُنيَ، جاهدِ القومَ، واللهِ إنك لعلى الحقِّ، وهم على الباطلِ، وإن قتلاك في الجنةِ وقتلاهم في النارِ).

  عبادَ الله:

  تولى يحيى بنُ زيدٍ أمرَ أبيه بعد موتِهِ فجهزَهُ وصلى عليه ثم أخرجَهُ ليلًا مع مَن يثقُ بهِ من أنصارِهِ ثم دفنَهُ وأخفى قبرَهُ، وأجرى على قبرِهِ الماءَ لئلا يُعرفَ مكانَهُ، ولكن بني أميةَ كانوا له بالمرصادِ فلم يكتفوا بقتلِهِ، بل جدوا في البحثِ عن