سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 69 - الجزء 1

الخطبة الثانية

  

  الحمد للهِ القائمِ على كلِّ نفسٍ بما كسبت، الرقيبِ على كلِّ جارحةٍ بما اجترحت.

  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، المطلعُ على ضمائرِ القلوبِ إذا هجست، الحسيبُ على خواطرِ العباد إذا اختلجت، الذي لا يعزبُ عنه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ.

  وأشهد أن سيدَنا ومولانا محمداً عبدُهُ ورسولُه، المخصوصُ بالذكرِ المحمودِ والحوضِ المورودِ والمقامِ المشهودِ، صلى الله عليه وعلى آله الهداة سفن النجاةِ وسلَّم تسليماً كثيراً.

  وبعدُ:

  عبادَ الله: إن المتأملَ في شكلِ الإنسانِ وصورتِه يجدُ أنَّ المسافةَ ما بينَ قلبهِ ولسانِه مقدارَ شبرٍ، هذا في ظاهرِ الصورةِ والشكلِ، أما ما بين نيتِه وما انطوى عليه القلبُ وما نطقه اللسانُ فإن بينهما بُعدَ المشرقين.

  فأيُّ خداعٍ يخدعُ به هؤلاءِ أنفسهم، وأيُّ مكرٍ مكروه عليها. {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ۝ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}.

  يا بئسَ الموردُ أوردوه أنفسَهم، ويا لَهُ من هولٍ جلبوه لها. فإلى كلِّ مَن سلكَ هذا الدربَ وما شاكلَه، وإلى كلِّ من خالفَ ظاهرُه باطنَه نقولُ: «إنما الأعمالُ بالنياتِ وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى» وفي الأثرِ: «إنَّ اللهَ لا ينظرُ إلى صورِكم ولا إلى ألوانِكم ولكن ينظرُ إلى قلوبِكم».

  فالقلبُ هو المضغةُ المعوّلُ عليها في صلاحِ الجسدِ وفسادِه، كما قال ÷: «إن في الجسدِ مضغةً إذا صَلُحتْ صلحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّه ألا وهي القلبُ».