سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 70 - الجزء 1

  عبادَ الله: ليس هذا فحسبُ هو جُلُّ ما نعرفُه من مكرِنا بالليلِ والنهارِ، الذي نزاولُه من حركاتِنا وسكناتِنا، ونحنُ نقرأُ القرآنَ بألسنةٍ لاغيةٍ، وقلوبٍ ساهيةٍ لاهيةٍ، في لُجَجِ الضلالةِ هاوية، بل هناكَ صورٌ شتّى، منها أننا قلنا بلحمةِ ألسنتِنا وشهدنا بصدقِ المُبلِّغِ وصدقِ القرآنِ ولا شكَ في ذلك. ولكنّ البلوى هي أن نعملَ بخلافِ ما شهدْنا بصدقِه وما جاء به.

  ولو أننا نعملُ بخلافِه وقلوبُنا منكرةٌ لأفعالِنا معتقدينَ بخطئِنا لكان أخفَّ جُرماً، وأقلَّ قُبحاً من غيرِه، ولكنَّ المصيبةَ والطامةَ أننا نعملُ بخلافِه ونفوسُنا راضيةٌ مطمئنةٌ، وفي بواطنِنا أننا مصيبون، فلا ضميرَ يؤنبُنا، ولا نفسَ تلومُنا، ولا زاجرَ من إيمانٍ يردعنا.

  والأعظمُ والأدهى من كلِّ هذا وذاك، إذا كان ما نتّبعه سبيلاً للشيطانِ، ومسخطاً للرحمنِ وتصديقاً لوعدِ مَن لعنَهُ الله وتركاً لوعدِ اللهِ القائلِ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} هاهنا وعدانِ وعدٌ من إبليسَ الغوي، ووعدٌ من الجبارِ القوي. الشيطانُ يهددُكم بالفقرِ والإفلاسِ، ويزرعُ في قلوبِكم الفاقةَ والطمعَ. واللهُ يؤمِّنُكم من الفقرِ ويَعِدُكم وعداً صادقاً لا خُلْفَ لوعدِه، إنه سيبسطُ عليكم الرحمةَ والغفرانَ، ويجزلُ لكم العطاءَ في المالِ، والصحةَ والسلامةَ في النفسِ، وما به صلاحُ أنفسِكم وقوامُ أمرِكم.

  وأمّا وعدُ الشيطانِ فقد وَعَدَنا بأننا معرَّضون للفقرِ والإفلاسِ وحاجةِ الناسِ، إذا قمنا بأمرِ الدينِ وزهِدنا في الدنيا، أو تصدَّقنا من فضلةِ أموالِنا، ولم نحرص بالبخلِ على أنفسِنا وأهلِينا، يأمرُنا بالبخلِ بما يجبُ علينا من الحقوقِ للهِ ولخلقِه، ولسانُ حالِه ومقالِه: (إذا تصدقتَ على الفقراءِ والضعفاءِ فقرتَ وأفلستَ، وإن كان ولا بد من الإنفاق فأنت وأهلُكَ وأبناؤُكَ أحوجُ بالصدقةِ من غيرِكم)، فلا هو على أهلِه ونفسِه أنفقَ، ولا على الضعفاءِ والمحتاجين تصدق.