سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 71 - الجزء 1

  يقول لك: (إذا أنتَ وفيتَ بدَينِك، وخلصتَ ذمتَك، وأخرجتَ غلّةَ مواريثِكَ فإنك ستُعرِّضُ نفسَك وأهلَك للحاجةِ والفقرِ، وأنت وأهلُك أحوجُ وأولى من الناسِ، إذا أخرجتَ مهرَ زوجتِكَ ومواريثَ أرحامِك فقرتَ وأفلستَ)، يحببُ إليك المال حتى تعدَّ الزكاةَ مغرماً، والحرامَ مغنماً، يُسَوِّلُ لك الحيلَ والمكائدَ لنصبِ أموالِ الأراملِ والأيتامِ والمساكين.

  يزينُ لك سوءَ عملِكَ لتستحلَّ أموالَ الأوقافِ بأكلِها، أو أن تُهملَ أرضَها فلا أنتَ الذي زرعتَها ولا أنت تركتَها لمن يزرعُها. يعدُك بالفقرِ فيزرعُ في قلبِك حبَّ الدنيا وزينتَها حتى يصبحَ الماُل أحبَّ إليك من اللهِ ورسولِه وجهادٍ في سبيلِه.

  {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً} فأيُّ الوعدين صدقْنا؟ وأيُّ الوعدين اتبعنا؟ ظواهرُنا مع اللهِ ومع وعدهِ. ولكنَّ بواطنَنا وما ظهرَ من شِقْوَتنا وبخلِنا وحرصِنا وطمعِنا، وغشِّنا في بيعِنا وشرانا وكذبِنا وخداعِنا كل ذلك يشهدُ بأننا مع وعدِ الشيطان.

  إن المؤمنَ بوعدِ اللهِ لا يبخلُ، المصدقَ بفضلِ اللهِ لا يغشُّ ولا يخدعُ، المُسَلِّمَ لأمرِ رَبِّه لا يفرحُ بما أوتي ولا يحزنُ على ما فات.

  إن الإيمانَ باللهِ معناهُ الإذعانُ والانقيادُ والتصديقُ بكلِّ ما جاءَ من عندِ اللهِ، أما الخداعُ والكذبُ والمكرُ فإنما ينعكسُ على صاحبِه ولا يحيقُ المكرُ السيِّءُ إلا بأهلِه.

  عبادَ الله: أفيقوا، استيقظوا، عجباً لكم كيف تنامون وأنتم تطلبون الجنةَ، وإبليسُ وجندُهُ لا ينامون وهم يطلبون النار؟ كيف تأمنونَ مكرَ الشيطانِ وقد أقسمَ بعزةِ ربِّه ليُغوينَّ الناسَ أجمعين؟ كيف تأمنونه وقد آلى على نفسِه أن يقعدَ لكم بكلِّ صراطٍ تُوعدون، وأن يحولَ بينَكم وبين الصراطِ المستقيمِ ونهجِه القويمِ؟ كيف تأمنونه وقد حذركم اللهُ منه بقولِه عزَّ مَن قائلٍ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

  إننا نرددُ في كلِّ يومٍ في صلواتِنا ما يُقاربُ العشرين مرةً أو أكثرَ قولَه تعالى: