سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 85 - الجزء 1

  تسلطَ على آلِ ياسرٍ أبو جهلٍ لعنَهُ اللهُ وأذاقَهم من العذابِ ألوانا، وجرَّعَهم من العقابِ الشيءَ الكثيرَ، وكان النبيُّ ÷ يمرُّ عليهم ويقولُ صبراً آلَ ياسرٍ فإن موعدَكم الجنةُ.

  فصبَروا وتحمَّلُوا حتى طفحَ الكيلُ، ولم يتراجعوا قيدَ شعرةٍ عن دينِهم، واستشهد ياسرٌ ¦ واستشهدت أمُه سُميةُ، وبقي عمارٌ بلا أبٍ ولا أمٍ لا يدري أيشكو اليُتْمَ، ويبكي فراقَ أعزَّ الناسِ عليه، أم يشكو حرَّ السياطِ وأليمَ العذابِ.

  فكانوا يعذبونه حتى يغيبَ عن الوعيِ ولا يعي ما يقولُ من شدَّةِ العذاب.

  فقال كلمةَ الكفرِ فقالَ الناسُ للنبيِّ ÷ عمارٌ كفرَ، فقال ÷: «عمارٌ مُلئ إيماناً من قرنِه إلى قدمِه، واختلطَ الإيمانُ بلحمِه ودمهِ».

  فجاءَ عمارٌ يعتذرُ لرسولِ الله ÷، وهو يبكي فأخذَ رسولُ الله يكفكفُ دموعَه، وهو يقولُ: «إن عادوا فعُد» فأنزلَ اللهُ تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ}.

  وجاءَ خبَّابٌ إلى رسولِ الله ÷ فقالَ: يا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ أن يفرجَ عنا، فقالَ رسولُ اللهِ ÷: «إنكم لتعجلون؛ لقد كان الرجلُ ممن كان قبلَكم يمشطُ بأمشاطِ الحديدِ ويشقُّ بالمنشارِ فلا يردُّه ذلك عن دينِه».

  عبادَ الله: يُروى بأن سُمَيّةَ ¥ كانت من السابقين للإسلامِ، وقد عذبها أبو جهلِ لِتَرجعَ عن دينِها فأبتْ، فربطَها بين بَعيرينِ وطعنَها في قُبُلِها، فماتت رحمةُ اللهِ عليها، وكانت أولَ شهيدةٍ في الإسلامِ.

  فهذه سميةُ، امرأةٌ جابهتْ طواغيتَ الشركِ، وصمدتْ حتى لقيت ربَّها راضيةً مرضيةً، لتلتحقَ بركبِ من سبقَها من الصادقاتِ الصابراتِ أمثالَ مريمَ بنتِ عمرانَ وآسيةَ بنتِ مزاحمٍ.

  عبادَ الله: هكذا الإيمانُ عندما يباشرُ القلبَ يكسبُ صاحبُه صلابةً وقوةً في إيمانه سواءً كان صاحبُه رجلاً أو امرأةً وخيرُ مثالٍ على ذلك ماشطةُ فرعونَ تلك