الخطبة الثانية
  المرأةُ الصالحةُ التي كانتْ تعيشُ هي وزوجُها ... في ظِلِّ مُلك فرعونَ ... زوجُها مقربٌ من فرعونَ ... وهي خادمةٌ ومربيةٌ لبنات فرعونَ ..
  فمنَّ الله عليهما بالإيمانِ ... فلم يلبث زوجُها أن عَلِمَ فرعونُ بإيمانِه فقتَله ... فلم تزل الزوجةُ تعملُ في بيتِ فرعونَ تمشطُ بناتَ فرعونَ ... وتنفق على أولادِها الخمسةِ ... تطعمُهم كما تطعمُ الطيرُ أفراخَها ..
  فبينما هي تمشطُ ابنةَ فرعون يوماً ... إذ وقعَ المشطُ من يدِها، فقالت: بسمِ اللهِ ... فقالت ابنةُ فرعونَ: اللهُ ... أبي؟
  فصاحت الماشطةُ بابنةِ فرعونَ: كلا ... بل اللهُ ... ربي ... وربُّكِ ... وربُّ أبيكِ ..
  فتعجبتْ البنتُ أن يُعبدَ غيرُ أبيها ..
  ثم أخبرتْ أباها بذلِك ... فعجبَ أن يوجدَ في قصرِه مَن يعبدُ غيرَه ..
  فدعا بها ... وقال لها: مَن ربُّكِ؟ قالت: ربي وربُّك اللهُ ..
  فأمرها بالرجوع عن دينها ... وحبسَها ... وضَربها ... فلم ترجِعْ عن دينِها ..
  فأمرَ فرعونُ بقِدْرٍ من نحاسٍ فمُلِئَتْ بالزيت ... ثم أُحمِيَ ... حتى غلا ..
  وأَوقفَها أمام القدرِ ... فلما رأت العذابَ ... أيقنتْ أنما هي نفسٌ واحدةٌ تخرجُ وتلقى اللهَ تعالى ... فعلم فرعونُ أن أحبَّ الناسِ إليها أولادُها الخمسةُ ... الأيتامُ الذين تكدحُ لهم وتُطعِمُهم ... فأرادَ أن يزيدَ في عذابِها فأحضرَ الأطفالَ الخمسةَ ... تدورُ أعينُهم ... ولا يدرون إلى أين يساقون ..
  فلما رأوا أُمَّهم تعلّقُوا بها يبكون ... فانكبَّتْ عليهم تُقبلُهم وتشمُّهُم وتبكي ... وأخذتْ أصغرَهم وضمَّتْهُ إلى صدرِها ... وألقمتهُ ثديَها ..
  فلما رأى فرعونُ هذا المنظرَ ... أمرَ بأكبرِهم ... فجرَّهُ الجنودُ ودفعوهُ إلى الزيتِ المغلي، والغلامُ يصيحُ بأمِّه ويستغيثُ ... ويسترحمُ الجنودَ ... ويتوسلُ إلى فرعونَ ... ويحاولُ الفكاكَ والهربَ ..