الخطبة الثانية
  وينادي إخوتَه الصغارَ ... ويضربُ الجنودَ بيديهِ الصغيرتين ... وهم يصفعونه ويدفعونه ..
  وأمُّهُ تنظرُ إليه ... وتودِّعُه ..
  فما هي إلا لحظاتٌ ... حتى أُلقيَ الصغيرُ في الزيتِ ... والأمُّ تبكي وتنظرُ ... وإخوتُه يُغَطُّون أعينَهم بأيدِيهم الصغيرةِ ... حتى إذا ذابَ لحمُه من على جسمِه النحيلِ ... وطفحتْ عظامُه بيضاءُ فوقَ الزيتِ ... نظرَ إليها فرعونُ وأمرَها بالكفرِ باللهِ ... فأبت عليه ذلك ..
  فَغَضِبَ فرعونُ ... وأمرَ بولدِها الثاني ... فسُحِب من عندِ أمِّه وهو يبكي ويستغيثُ ... فما هي إلا لحظاتٌ حتى أُلقِيَ في الزيتِ ... وهي تنظرُ إليهِ ... حتى طفحتْ عظامُه بيضاءُ واختلطت بعظامِ أخيهِ ... والأمُّ ثابتةٌ على دينِها ... موقنةٌ بلقاءِ ربِها.
  ثم أمرَ فرعونُ بالولدِ الثالثِ فَسُحِبَ وقُرِّبَ إلى القدرِ المغلي، ثم حُمِلَ وأُلْقِيَ في الزيتِ ..
  وفُعِلَ به ما فُعِلَ بأخَوَيه ..
  والأمُّ ثابتةٌ على دينِها ... فأمرَ فرعونُ أن يُطْرَحَ الرابعُ في الزيتِ ..
  فأقبل الجنودُ إليه ... وكان صغيراً قد تعلَّقَ بثوبِ أمِّهِ ... فلما جذبَهُ الجنودُ ... بكى وانطرَحَ على قدمي أمِّه ... ودموعُه تجري على رجلَيها ... وهي تحاولُ أنْ تحمِلَهُ مع أخيه ..
  تحاولُ أن تودِّعَه وتقبِّلَه وتشمَّه قبل أن يفارقَها ... فحالوا بينه وبينها ... وحملوه بيديه الصغيرتين ... وهو يبكي ويستغيثُ ... ويتوسلُ بكلماتٍ غيرِ مفهومةٍ ... وهم لا يرحمونه ..
  وما هي إلا لحظاتٌ حتى غَرِقَ في الزيتِ المغلي ... وغابَ الجسدُ ... وانقطعَ الصوتُ ... وشمَّتْ الأمُّ رائحةَ اللحمِ ... وعلتْ عِظامُه الصغيرةُ بيضاء فوقَ