الخطبة الثانية
  اجتماعَها معهم في الحياةِ ... فالتفتتْ إلى فرعونَ وقالت: لي إليكَ حاجةٌ ... فصاحَ بها وقال: ما حاجتُكِ؟
  فقالت: أن تجمعَ عظامِي وعظامَ أولادِي فتدفنَها في قبرٍ واحد ... ثم أغمضت عينيها ..
  وأُلْقِيَتْ في القِدْرِ ... واحترقَ جسدُها ... وطفت عِظامُها ..
  فلله درُّ هذِه المرأةِ ما أعظمَ ثباتَها ... وأكثرَ ثوابَها ..
  ولقد رأى النبيُّ ÷ ليلةَ الإسراءِ شيئاً من نعيمِها ... فحدَّثَ بِه أصحابَه وقالَ لهم فيما رواه البيهقي: «لمِّا أُسرِيَ بي مَرَّتْ بي رائحةٌ طيبةٌ ... فقُلتُ: ما هذِه الرائحةُ؟ فقيل لي: هذه ماشطةُ فرعونَ وأولادُها ..».
  الله أكبرُ تَعِبَتْ قليلاً ... لكنها استراحتْ كثيراً ..
  {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ١٧٠ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ١٧١ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوا أَجْرٌ عَظِيمٌ ١٧٢}.
  مضتْ هذِه المرأةُ المؤمنةُ إلى خالِقها ... وجاورت ربَّها ..
  ويُرجى أن تكونَ اليومُ في جناتٍ ونهرٍ ... ومقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدرٍ ... وهي اليومَ أحسنُ منها في الدنيا حالاً ... وأكثرُ نعيماً وجَمَالاً ..
  عبادَ الله: أكثِروا في هذا اليومِ من الصلاةِ على نبيِّكم الكريمِ القائلِ: «أكثروا عليَّ من الصلاةِ في يومِ الجمعةِ فإنه يومٌ تُضاعفُ فيه الأعمالُ» والقائلِ: «مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشرَ صلواتٍ، ومحى عنه بها عشرَ سيئاتٍ، وكتبَ له بها عشرَ حسناتٍ، واستبقَ ملكاه الموكلانِ به أيُّهما يبلِّغُ روحي منه السلام».