شرح وبيان لآيات وأحاديث وحكم علوية،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

الحمد لله رب العالمين القائل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا

صفحة 15 - الجزء 1

  ومجاهدة النفس، وهذا مثل قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ٧}⁣[الليل].

  هذا، ولنعلم أنه لا بد من الاختبار والتمحيص في كل عمل من طاعات الله أمرنا به، مثلاً الإنسان عندما يمنحه الله وجاهة وقبولاً في قلوب الطلبة بحيث إنهم لا يرغبون في تلقي الدروس إلا منه ويحبون الدنو منه ويرضون توجيهاته وهو سعيد بذلك، فلا بد له من الابتلاء والاختبار في عمله، وذلك أن يأتي يوم من الأيام وقد تغيرت طباعه وساءت أخلاقه فلا يبالي بطلبته في أي وادٍ هلكوا، أو طريق سلكوا، وتلك هي نقطة الامتحان الحقيقية التي مدح الله المجاهدين لأنفسهم فيها، فإن هو جاهد نفسه في تلك النقطة وما شاكلها فالجزاء كما وعد الله عظيم، وإن هي غلبته فالخسارة باهظة تأكل ربحه ورأس المال.

  نعم، ليس كل من زرع حصد فالخصائص المحمودة لا يمنحها الله جلت قدرته إلا لبعض الناس ولا تحصل لكل من طلبها فبعض الناس يمنحه الله قبولاً لقبول كلامه وتلقي النصائح من لسانه يكون سديداً في مصالحته بين الناس فكل يقبل نصيحته ويرتضي طريقته، فإن هو جاهد نفسه لبذل النصائح مع إخلاصٍ في قلبه وصدق من صميم فؤاده، وإلا سلب الله تلك النعم وتحولت محبته في القلوب إلى كره، ورفعته إلى ضعة، وعزته إلى ذلة، وغناه إلى فقر؛ لأنه قابل تلك النعمة والمنحة بالرد، وقد أخبره مولاه أنه لا بد من الجهاد لنفسه فيما تستكره، أما فيما تحب فليست بحاجة إلى جهاد وعناء.