{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17}
  وأخبر سبحانه أنه أخذ عليهم أن يأكلوا الحلال الطيب؛ بدليل: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} ولا رزق لربنا جلت عظمته إلا الحلال {وَاشْكُرُوا لَهُ} فالشكر زمام لكل نعمة بيد الشاكر إن شاء أمسك وإن شاء ترك.
  {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} وكونها طيبة فهي من أجل النعم، فعليكم الشكر يجب ويتحتم وقد أمهلكم فلم تزدادوا بهذه النعم إلا بعداً، أكلتم نعم الله وتماديتم في الغي، ولكنكم إن تبتم فهو رب غفور يغفر الذنوب ويستر العيوب ويزيد في الأرزاق ويدفع الأعداء ويزيدكم خيراً إلى خيراتكم وقوة إلى قوتكم ويمتعكم إلى حين، فتغافلوا وتجاهلوا وزلت بهم القدم فآثروا كفر النعم على شكرها طاعة منهم للشيطان الرجيم، وتغافلاً عن طاعة أرحم الراحمين، {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} جمعت المياه في سد مأرب نعمة إن هم شكروا وعقوبة عاجلة ونقمة إن هم كفروا، فلما كفروا جاءهم ما كانوا يوعدون. سنة الله في خلقه أهل البطر أن يذل من تعزز بالفجور، يبدلهم بالعز ذلاً وبالغنى فقراً، وبالأمن خوفاً، ويعقبهم من قرب النعم بُعْدَها، ومن وجودها فقدها.
  كانت تأتيهم عن قرب فأصبحوا يطلبونها عن بعد، جزاء من الله عاجلاً لمن أعرض عن ذكره لا لمن شكر {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ١٧} ولم تكن النعم عليهم في بلدهم فحسب بل كانت في حلهم وترحالهم فكانوا إذا سافروا إلى أرض الشام لا يصبحون ولا