شرح وبيان لآيات وأحاديث وحكم علوية،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور 15 فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل 16 ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور 17}

صفحة 32 - الجزء 1

  يمسون إلا في قرىً فيها ما يحتاجون إليه، وكان أهل القرى تلك يعظمونهم؛ لما في أيديهم من الخيرات فلا يرون شيئاً من الملاذ يشتهونه إلا شروه، ولا ظهراً من أنواع الدواب إلا ركبوه، فعزموا على ركض النعم بأرجلهم وداسوها بأقدامهم: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا}⁣[سبأ: ١٩]، ركوناً منهم على أنفسهم وعلى ما في أيديهم، يظنون بجهلهم أن تلك النعم باقية، فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، فلما تقلصت معيشتهم، وتمزقت نعمتهم، وصار كل فرد منهم شبيه من أوشك على الغرق في وسط البحر - تفرقوا في البلاد شرقاً وغرباً، ويميناً وشمالاً، فصاروا أحاديث ومعتبراً، بعد أن كانت حياتهم عزاً ومفتخراً.

  نعم، بلغ التحذير منتهاه لأصحاب العقول بقصتهم فلا نعمة من الله تدوم لأصحابها إلا بشكره ولا أخرى تزول إلا بعصيانه وكفره، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

  ثم قال ø: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ١٩}⁣[سبأ]، في هذا القصص آيات وعبر لكل صبار على التفكر شكور للنعم، أما من هم كالأنعام أو هم أضل فبينهم وبين الاتعاظ حجاب العزة قد نكست قلوبهم فجعل أعلاها أسفلها لا يستفيدون بالمواعظ ولا ينتفعون بالعبر، وقد حذر الله بهذا القصص قريشاً خاصة وغيرهم عامة، ومفعولها جار إلى يوم القيامة.