الرابع: العلم المؤنث الموازن لفعال كحذام عند أهل الحجاز
  ٤٠ - ألم تروا إرما وعادا ... أودى بها اللّيل والنّهار
  ومرّ دهر على وبار ... فهلكت جهرة وبار
  بالكسر مع أنه في موضع رفع لكونه فاعلا، فاستوت اللغتان، وكحل - بفتح فسكون - علم على بقرة أخرى، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، فجره بالفتحة نيابة عن الكسرة، ويجوز جره بالكسرة كما هو جائز في كل علم مؤنث ثلاثي ساكن الوسط نحو دعد وجمل وهند.
  ٤٠ - هذان بيتان من مخلع البسيط، وهما من كلام الأعشى ميمون بن قيس (انظر ديوانه المطبوع في أوربة ص ١٩٣) وثانيهما من شواهد سيبويه (ج ٢ ص ٤١) وقد أنشدهما المؤلف في أوضحه (رقم ٤٨).
  اللّغة: «إرم وعاد» جماعتان عظيمتان من العرب «أودى بها» أهلكها.
  الإعراب: «ألم» الهمزة للاستفهام التقريري، لم: حرف نفي وجزم وقلب، «تروا» فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وواو الجماعة فاعله، مبني على السكون في محل رفع، «إرما» مفعول أول لترى، «وعادا» معطوف على قوله إرما، «أودى» فعل ماض، «بها» جار ومجرور متعلق بأودى، «الليل» فاعل أودى، «والنهار» معطوف على الليل، «ومر» الواو عاطفة، مر: فعل ماض، «دهر» فاعل مر، «على وبار» جار ومجرور متعلق بمر، «فهلكت» الفاء عاطفة، هلك: فعل ماض، والتاء للتأنيث، «جهرة» منصوب على الظرفية عاملة هلكت، «وبار» فاعل هلكت، مرفوع بالضمة الظاهرة.
  الشّاهد فيه: قوله «وبار» فإن هذه الكلمة قد وردت في البيت الثاني من هذين البيتين مرتين، وهي في المرة الأولى مكسورة، وفي المرة الثانية مرفوعة، فيدل كسرها في المرة الأولى على أنه بناها على الكسر؛ لكونها علما على زنة فعال - بفتح الفاء - مختوما بالراء، ولو أنه أعربه لجاء به مفتوحا، لأنه حينئذ يكون مجرورا بعلى وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث، ولكنه جاء به مكسورا، وليس في العلماء ولا في العرب من يعامله معاملة الاسم المنصرف فيجره بالكسرة، فليس لنا بد من اعتباره مبنيّا، وأما في المرة الثانية فقد جاء بهذه الكلمة مرفوعة بدليل أن القوافي مرفوعة كما رأيت، والكلمة فاعل، فدل ذلك على أنه عامل هذه الكلمة معاملة الاسم الذي لا ينصرف، فكأن الشاعر بذلك قد استعمل في البيت اللغتين جميعا، فإن قلت: فكيف تقول: إن الكلمة الأولى مبنية على الكسر مع أنها منونة؟ قلت: إن سلمنا أنها منونة فهذا تنوين الضرورة الذي يلحق الاسم المبني والذي لا ينصرف، وليس تنوين الصرف، فافهم ذلك ولا تغفل عن شيء منه.
  هذا وقد ذكر المؤلف تخريجا للكلمة الثانية يخرجها عن الاستشهاد بها على هذه اللغة، ولكن الكلمة الأولى باقية عند الجميع على الدلالة لما سيقت شاهدا له.