المبني على الضم أو نائبه:
  لأيّ، و {عَلَى الرَّحْمنِ} متعلق بأشد، و {عِتِيًّا} تمييز، وكان الظاهر أن تفتح أيّ؛ لأن إعراب المفعول النصب، إلا أنها هنا مبنية على الضّمّ لإضافتها إلى الهاء والميم وحذف صدر صلتها، وهو المقدر بقولك «هو».
  ومن العرب من يعرب أيّا في أحوالها كلها، وقد قرأ هارون ومعاذ ويعقوب «أيّهم أشدّ» بالنصب، قال سيبويه: وهي لغة جيدة، وقال الجرميّ: «خرجت من الخندق - يعني خندق البصرة - حتى صرت إلى مكة، فلم أسمع أحدا يقول: «اضرب أيّهم أفضل» أي كلهم ينصب ولا يضم(١).
  والمعنى أقسم بربّك لنجمعنّ المنكرين للبعث وقرناءهم من الشياطين الذين أضلّوهم مقرّنين في السلاسل كلّ كافر معه شيطانه في سلسلة، ثم لنحضرنّهم حول جهنم جاثين على الرّكب، {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} أي جراءة، وقيل: فجورا وكذبا، وقيل: كفرا، أي: لننزعنّ رؤساءهم في الشرّ فنبدأ بالأكبر فالأكبر جرما، [والأكثر جراءة] {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا}[مريم، ٧٠] أي أحقّ بدخول النار، يقال: صلي يصلى صليّا، كما يقال: لقي يلقى لقيّا، ويقال: صلى يصلي صليّا مثل مضى يمضي مضيّا.
  ثم قلت: أو الضّمّ أو نائبه، وهو المنادى المفرد المعرفة، نحو «يا زيد» و «يا جبال» و «يا زيدان» و «يا زيدون».
(١) ذهب جماعة من النحويين إلى أن «أي» في الآية الكريمة ليست موصولة ولكنها استفهامية، وهي مبتدأ، وأشد: خبر، ثم اختلفوا في مفعول ننزع؛ فقال الخليل بن أحمد شيخ سيبويه: مفعول ننزع محذوف، وهو اسم موصول أو موصوف بموصول، وصلة الموصول محذوفة أيضا، وجملة {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} من المبتدأ والخبر في محل رفع نائب فاعل لفعل في جملة الصلة، وتقدير الكلام: ثم لننزعن من كل شيعة الفريق الذي يقال فيه أيهم أشد، وقال يونس بن حبيب شيخ سيبويه أيضا: مفعول ننزع هو جملة «أيهم أشد» فهذه الجملة في محل نصب مفعول لننزع، وهذا الفعل لم يعمل في لفظ الجملة؛ لأن صدرها اسم استفهام، واسم الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، وقال الكسائي والأخفش: مفعول ننزع هو قوله سبحانه «كل شيعة» و «من» التي قبله حرف جر زائد كما هي في نحو قولك: ما ضربت من أحد، وجملة «أيهم أشد» على هذا القول لا محل لها من الإعراب مستأنفة، وهذه المذاهب كلها مردودة، والصواب في هذه المسألة ما ذكره المؤلف، وهو مذهب سيبويه |!