المنادى المفرد، وتفصيل الكلام في المنادى بأنواعه
  ٥٢ - ضربت صدرها إليّ وقالت ... يا عديّا لقد وقتك الأواقي
الشّاهد فيه: قوله «أيا راكبا» فإنه نكرة غير مقصود بها معين، ألا ترى أن الشاعر - وهو رجل أسير في أيدي أعدائه - يريد أن يبلغ قومه على لسان من يمر بهم كائنا من كان أنه لن يلقاهم بعد اليوم، لأنه علم أن القوم سيقتلونه بلا ريب، فهو لا يقصد راكبا دون راكب، وهذا البيت يرد على من أنكر من النحاة جواز نداء النكرة غير المقصودة.
٥٢ - هذا بيت من الخفيف، وقد أنشده ابن عقيل (رقم ٣٠٤) وقد نسبه في اللسان تبعا للجوهري إلى مهلهل بن ربيعة أخي كليب بن ربيعة، وقال صاحب التكملة: إنه ليس للمهلهل، وإنما هو لأخيه عدي يرثيه، وقبل البيت قوله:
ظبية من ظباء وجرة تعطو ... بيديها في ناضر الأوراق
اللّغة: «وقتك» فعل ماض، من الوقاية وهي الحفظ والكلاءة، «الأواقي» جمع واقية بمعنى حافظة، وأصله الوواقي، فقبلت الواو الأولى همزة.
الإعراب: «ضربت» ضرب: فعل ماض، والتاء علامة التأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى ظبية المذكورة في البيت السابق عليه والمراد بها المرأة، «صدرها» صدر: مفعول به، وصدر مضاف وضمير المؤنثة مضاف إليه، «إليّ» جار ومجرور متعلق بضرب، «وقالت» الواو عاطفة، قال: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي، «يا» حرف نداء «عديّا» منادى منصوب بالفتحة الظاهرة، وستعرف ما فيه، «لقد» اللام موطئة للقسم، قد: حرف تحقيق، «وقتك» وقى: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والكاف ضمير المخاطب مفعول به، مبني على الفتح في محل نصب، «الأواقي» فاعل وقى، مرفوع بضمة مقدرة على الياء منع من ظهورها الثقل.
الشّاهد فيه: قوله «يا عديّا» فإن هذا علم مفرد، وكان من حقه أن يبنى على الضم؛ لأن المنادى إذا كان علما مفردا يبنى على الضم، كما عرفت، ولكنه اضطر إلى تنوينه؛ فعدل عن ضمه إلى نصبه، فشابه به النكرة غير المقصودة.
ومثل هذا قول جرير بن عطية يهجو العباس بن يزيد الكندي:
أعبدا حلّ في شعبى غريبا ... ألوما لا أبا لك واغترابا
فإن هذه الهمزة لنداء القريب، و «عبدا» منادى، وهو نكرة مقصودة؛ لأنه يريد واحدا بعينه هو العباس بن يزيد الكندي الذي يهجوه، وقد علمت أن النكرة المقصودة إذا نوديت بنيت على الضم، ولكنه لما اضطر إلى تنوينه عدل عن ضمه المستحق له إلى نصبه؛ تشبيها له بالنكرة غير المقصودة.