شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

يجوز في المنادى أن يفتح فتحة إتباع بشروط

صفحة 159 - الجزء 1

  من قوله تعالى: {أَيَّ مُنْقَلَبٍ} مفعول مطلق لينقلبون، وليست مفعولا به لسيعلم؛ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله، ومثالها في الخفض: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ٥ بِأَيِّكُمُ}⁣[القلم، الآيتان: ٥ - ٦]، وأي في هذه الآية مخفوضة لفظا مرفوعة محلا؛ لأنها مبتدأ، والباء زائدة، والأصل أيّكم المفتون⁣(⁣١)، والجملة نصب بتبصر أو يبصرون؛ لأنهما تنازعاها، وهما معلّقان عن العمل بالاستفهام، وفي الآية مباحث أخر.

  ومثال الظرف المبني على السكون «إذ» وهو ظرف لما مضى من الزمان، ويضاف لكل من الجملتين، نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ}⁣[الأنفال - ٢٦] {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً}⁣[الأعراف - ٨٦] [{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ}] [غافر، ٧٠ - ٧١]، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها}⁣[الزلزلة، الآية ٤] بعد قوله سبحانه وتعالى: {إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ}⁣[الزلزلة، ١]، وتأتي للتعليل، نحو: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ}⁣[الكهف، ١٦] أي: ولأجل اعتزالكم إياهم، والاستثناء في الآية متصل إن كان هؤلاء القوم يعبدون الله وغيره، ومنقطع إن كانوا يخصّون غير الله سبحانه بالعبادة، وكذلك البحث في قوله تعالى: {قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٧٥ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ٧٦ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ}⁣[الشعراء، ٧٥ - ٧٧] وتأتي للمفاجأة كقوله:


(١) هذا الإعراب الذي ذكره المؤلف هو إعراب سيبويه شيخ النحاة لهذه الآية الكريمة، وعليه يكون (المفتون) اسم مفعول كما هو الظاهر، ويكون الاستفهام عمن وقعت عليه الفتنة؛ فكأن بعضهم يقول لبعض: أي امرئ منكم أثرت فيه دعاية هذا المدعي للنبوة فجعلته يترك دين آبائه إلى دينه؟ وذهب أبو الحسن الأخفش إلى أن الباء أصلية وأي: مجرور بها لفظا، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والمفتون: مبتدأ مؤخر، ثم اختلف النقل عنه في معنى الباء؛ فنقل عنه قوم أنه يقول: إن معنى الباء السببية، وعلى هذا يكون المفتون مصدرا بمعنى الفتنة، وكأن بعض هؤلاء يقول لبعض: بسبب أيكم وقعت الفتنة؟ ومجيء المصدر على زنة مفعول مما أثبته الأخفش، ومثل لما جاء منه بالميسور والمعسور والمجلود والمحلوف والمعقول: بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف والعقل (انظر شرح الشاهد رقم ٦٠ الآتي) نقل عنه قوم آخرون: أن الباء بمعنى في التي للظرفية، وعلى هذا يكون المفتون اسم مفعول كما ذهب إليه سيبويه؛ وكأن بعض هؤلاء يقول لبعض: في أي طائفة من طوائفكم هذا الذي وقعت الفتنة عليه؟