شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

يجوز في المنادى أن يفتح فتحة إتباع بشروط

صفحة 160 - الجزء 1

  ٦٠ - استقدر الله خيرا وارضينّ به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير

  ومثال المبنيّ منها على الفتح «الآن» وهو اسم لزمن حضر جميعه أو بعضه؛ فالأول نحو قوله تعالى: {الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ}⁣[البقرة، ٧١] وفي هذه الآية حذف الصفة، أي بالحق الواضح، ولو لا أن المعنى على هذا لكفروا لمفهوم هذه المقالة⁣(⁣١)، والثاني نحو قوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ}⁣[الجن، ٩]، وقد تعرب، كقوله:


٦٠ - هذا بيت من البسيط، وقد نسبوه إلى عنبر بن لبيد العذري.

اللّغة: «مياسير» جمع ميسور بمعنى اليسر، بدليل مقابلته بالعسر، وفي هذا اللفظ فائدتان؛ الأولى أنه يدل لما ذهب إليه أبو الحسن الأخفش من مجيء المصدر على زنة اسم المفعول كما جاء على زنة اسم الفاعل كالعافية، والثانية أنه يدل على جواز جمع المصدر، ألا ترى أنه جمع ميسورا على مياسير كما يجمع مجنون على مجانين (انظر الهامش في الصفحة السابقة).

الإعراب: «استقدر» فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، «الله» منصوب على التعظيم، «خيرا» منصوب على نزع الخافض، «وارضين» الواو عاطفة، ارض: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لا محل له من الإعراب، «به» جار ومجرور متعلق بارض، «فبينما» الفاء للتعليل، بين: ظرف مكان منصوب على الظرفية، والعامل فيه محذوف، وما: زائدة، «العسر» مبتدأ، وخبره محذوف، وتقدير الكلام: فبينما العسر حاصل، مثلا، «إذ» كلمة دالة على المفاجأة، وقد اختلف فيها، فقيل: هي ظرف مكان، وقيل: هي ظرف زمان، وعلى القول بأنها ظرف زمان قيل: هي بدل من بين، وقيل: متعلق بما بعده؛ لأنه غير مضاف إليه، «دارت» دار: فعل ماض، والتاء علامة التأنيث «مياسير» فاعل دارت.

الشّاهد فيه: قوله «إذ» فإنها كلمة دالة على المفاجأة، ألا ترى أن معنى البيت فبين الأوقات التي


(١) منطوق هذه العبارة - بدون تقدير وصف محذوف - أن موسى # قد جاءهم في وقت التكلم بالحق الذي يجب الإيمان به، ويدل هذا بالمفهوم على أن ما كان قد جاءهم به قبل ذلك ليس بحق، وهذا كفر لا شبهة فيه؛ لأنه يجب الإيمان بأن الرسول ÷ لا يأتي في وقت من الأوقات إلا بالحق الذي يجب الإيمان به، فإن قدرنا الوصف الذي قدره المؤلف كان المفهوم من العبارة أنه قبل وقت التكلم كان آتيا بالحق أيضا، لكن هذا الحق الذي كان يأتي به لم يكن واضحا ظاهر المعنى لعقولهم، وهذا لا كفر فيه؛ لأن نقصه ليس راجعا إلى ما جاء به الرسول، وإنما نقصه راجع إلى عقولهم.

هذا كله عند من يعتبر المفهوم اعتبار المنطوق، فأما من لا يرون اعتبار المفهوم فلا يلتزمون هذا التقدير، والمسألة خلافية بين علماء الأصول، وهذه العجالة لا تتسع لذكر مقالتهم وأدلتها.