شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الرابع: الاسم الموصول

صفحة 175 - الجزء 1

  وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}⁣[الأنعام، ١] وذلك لأنه قدّر الجملة الاسمية - وهي (الذين) وما بعده - معطوفة على الجملة الفعلية - وهي (خلق) وما بعده - على معنى أنه سبحانه خلق ما لا يقدر عليه سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء. ولو لا أن التقدير ثم الذين كفروا به يعدلون، كما أن التقدير سعاد التي أضناك حبها للزم فساد هذا الإعراب؛ لخلو الصلة من ضمير، وهذا في الآية الكريمة خير منه في البيت؛ لأن الاسم الظاهر النائب عن الضمير في البيت بلفظ الاسم الموصوف بالموصول، وهو سعاد، فحصل التكرار وهو في الآية بمعناه لا بلفظه، وأجاز في الجملة وجها آخر، وبدأ به، وهو أن تكون معطوفة على {الْحَمْدُ


الإعراب: «سعاد» يجوز نصبه على أنه مفعول لفعل محذوف، والتقدير: اذكر سعاد، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هي سعاد، أو هذه سعاد، «التي» نعت لسعاد، مبني على السكون في محل نصب أو رفع، «أضناك» أضنى: فعل ماض مبني على فتح مقدر لا محل له، والكاف ضمير المخاطب (وأراد به نفسه، فهو يخاطب نفسه على سبيل التجريد) مفعول به مبني على الفتح في محل نصب، «حب» فاعل أضنى، وحب مضاف، و «سعاد» مضاف إليه، مجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة لأنه اسم لا ينصرف للعلمية والتأنيث، «وإعراضها» الواو عاطفة، وإعراض: مبتدأ، وهو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى سعاد مضاف إليه، «عنك» جار ومجرور متعلق بإعراض، «استمر» فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إعراض، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، «وزاد» الواو عاطفة، زاد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إعراضها، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع معطوفة بالواو على جملة الخبر.

الشّاهد فيه: قوله «التي أضناك حب سعاد» حيث وضع الاسم الظاهر الذي هو قوله «سعاد» في آخر الشطر الأول، موضع الضمير؛ فربط به جملة الصلة، والأصل أن يقول: سعاد التي أضناك حبها، ووضع الاسم الظاهر في موضع الضمير في جملة الصلة بنوع خاص مما أنكره كثير من العلماء، وذكروا أنه لا يجوز إلا في ضرورة الشعر، ومنهم المؤلف نفسه فقد ذكر في المغني أنه ضرورة لا يجوز تخريج القرآن عليه، فافهم ذلك وتدبره.

ومثل البيت الذي استشهد به المؤلف قول الشاعر، وهو مجنون ليلى:

فيا ربّ ليلى، أنت في كلّ موطن ... وأنت الّذي في رحمة الله أطمع

يريد «وأنت الذي في رحمته أطمع» فوضع الاسم الظاهر وهو اسم الجلالة موضع الضمير.