شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الأصح أنه لا يجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده

صفحة 194 - الجزء 1

  الوحشية وكلا النّقرتين اللتين هما خلفها وأمامها تحسب أنه مولى المخافة، أي: المكان الذي تؤتى فيه.

  والمجرور، كقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها}⁣[الأنعام، ٧٠] ف (يؤخذ) فعل مضارع مبني لما لم يسم فاعله، وهو خال من ضمير مستتر فيه، و (منها) جار ومجرور في موضع رفع: أي لا يكن أخذ منها، ولو قدر ما هو المتبادر من أن في (يؤخذ) ضميرا مستترا هو القائم مقام الفاعل، و (منها) في موضع نصب، لم يستقم؛ لأن [ذلك] الضمير عائد حينئذ على (كل عدل) و «كل عدل» حدث، والأحداث لا تؤخذ، وإنما [تؤخذ] الذوات، نعم إن قدر أن (لا يؤخذ) بمعنى لا يقبل صحّ ذلك.

  وفهم من قولي «فإن فقد فالمصدر - إلى آخره» أنه لا يجوز إقامة غير المفعول به مع وجود المفعول به، وهو مذهب البصريين إلا الأخفش، واستدلّ المخالفون بنحو قول الشاعر:

  ٧٥ - أتيح لي من العدا نذيرا ... به وقيت الشّرّ مستطيرا

  وبقراءة أبي جعفر «ليجزى قوما بما كانوا يكسبون»⁣(⁣١) فأقيم فيهما الجار والمجرور، وترك المفعول به منصوبا.


٧٥ - هذا بيت من الرجز أو بيتان من مشطوره ليزيد بن القعقاع.

اللّغة: «أتيح لي» هيئ لي وقدر، «نذيرا» مخوفا ومحذرا، «وقيت الشر» حفظت منه.


(١) الجاثية، ١٤ - وأبو جعفر يقرأ في هذه الآية بضم الياء من «ليجزى» على أنه فعل مضارع مبني للمجهول، وينصب «قوما» على أنه مفعول به ليجزى، ونائب الفاعل هو «بما» وهو الجار والمجرور؛ فدلت هذه القراءة في هذه الآية الكريمة على جواز إنابة الجار والمجرور مع وجود المفعول به، ولو أنه قد تقدم المفعول به على النائب عن الفاعل، وهذا رأي الكوفيين الذين يجوزون إنابة الجار والمجرور عن الفاعل مع وجود المفعول به في الكلام مطلقا، نعني أنه سواء عندهم أتقدم المفعول به على الجار والمجرور أم تأخر عنه.

وقد رد جمهور البصريين على استدلالهم بهذه القراءة بوجهين:

أولهما: أن الجار والمجرور ليس هو نائب الفاعل، ولكن الفاعل ضمير مستتر يعود إلى مصدر يجزي وهو الجزاء.

وثانيهما: أن هذه القراءة شاذة، والقراءة الشاذة لا تصلح للاحتجاج بها؛ لأنها تشبه ما قد يكون من ضرورات الشعر، وهذا الجواب ضعيف فيما نرى.