شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الأصح أنه لا يجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده

صفحة 195 - الجزء 1

  ثم قلت: ولا يحذفان، بل يستتران، ويحذف عاملهما: جوازا، نحو «زيد»


المعنى: يريد أن أعداءه قد دبروا له ليوقعوه في شر يتفاقم خطبه ويتطاير شرره، وأن المقادير هيأت له من ينذره بما بيتوه له، فكان ذلك سببا في حفظه من الوقوع في الشر.

الإعراب: «أتيح» فعل ماض مبني للمجهول، «لي» جار ومجرور، وهو نائب فاعل أتيح، «من العدا» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من قوله نذيرا الآتي، وكان أصله صفة له؛ فلما تقدم عليه أعرب حالا، «نذيرا» مفعول به ثان لأتيح منصوب بالفتحة الظاهرة، «به» جار ومجرور متعلق بوقيت الآتي، «وقيت» وقي: فعل ماض مبني للمجهول، وتاء المتكلم نائب فاعل، «الشر» مفعول ثاني لوقي، ومفعوله الأول هو نائب الفاعل، «مستطيرا» حال من الشر.

الشّاهد فيه: قوله «أتيح لي نذيرا» فإن أتيح فعل ماض مبني للمجهول، وأصل هذا الفعل وهو مبني للمعلوم يتعدى إلى مفعولين يصل لأحدهما بنفسه وللآخر باللام، فتقول: أتاح الله لي ظروفا حسنة، فلفظ الجلالة هو الفاعل، والجار والمجرور أحد المفعولين، وظروفا: هو المفعول الثاني، ولو أردت أن تبني هذا الفعل للمجهول في مثالنا كنت تقول: أتيحت لي ظروف حسنة؛ فتغير صورة الفعل، وتسنده إلى المفعول الذي كان يتعدى إليه بنفسه، وتترك الجار والمجرور، إلا أن هذا الشاعر لما بنى الفعل للمجهول أسنده إلى الجار والمجرور مع ذكر المفعول به؛ بدليل أن هذا المفعول به منصوب، وهذا جائز عند الكوفيين والأخفش، ومقصور على ضرورة الشعر عند سائر البصريين.

ومما ورد منه واستدل به أنصار الكوفيين والأخفش قول جرير يهجو الفرزدق:

ولو ولدت قفيرة جرو كلب ... لسبّ بذلك الجرو الكلابا

فقوله «بذلك» جار ومجرور هو نائب فاعل لقوله «سب» الذي هو فعل ماض مبني للمجهول، و «الكلابا» مفعول ثان منصوب بالفتحة الظاهرة، فأنت ترى جريرا قد أقام الجار والمجرور مقام الفاعل مع وجود المفعول به حينما اضطرته قافية البيت لذلك.

ومثل هذا البيت أيضا قول الراجز، وينسب إلى رؤبة بن العجاج:

لم يعن بالعلياء إلّا سيّدا ... ولا شفى ذا الغيّ إلّا ذو هدى

فقوله «يعن» فعل مضارع مبني للمجهول، وقوله «بالعلياء» جار ومجرور، وهو نائب فاعله، وقوله «سيدا» مفعول به ثان ليعن المبني للمجهول، وقد أناب هذا الراجز الجار والمجرور كما ترى مع وجود المفعول به، والدليل على أنه أناب الجار والمجرور ولم ينب المفعول به أنه أتى بالمفعول به منصوبا، ولو أنابه لرفعه؛ لما علمت أن من أحكام إنابة المفعول به أنه يرتفع بعد أن كان منصوبا.

ومثل هذه الشواهد قول الشاعر: