الثاني: أن عاملهما يجوز حذفه، وقد يجب
  الفاعل، وتابعه على ذلك السّهيلي وابن مضاء.
  الثاني: أن عاملهما قد يحذف لقرينة، وأنّ حذفه على قسمين: جائز وواجب.
  فالجائز كقولك «زيد» جوابا لمن قال لك: «من قام؟» أو «من ضرب؟» فزيد في جواب الأول فاعل فعل محذوف، وفي جواب الثاني نائب عن فاعل فعل محذوف، وإن شئت صرّحت بالفعلين فقلت «قام زيد» و «ضرب عمرو».
  والواجب ضابطه: أن يتأخر عنه فعل مفسّر له، وقد اجتمع المثالان في الآية الكريمة(١) ف {السَّماءُ} فاعل ب {انْشَقَّتِ} محذوفة، كالسماء في قوله تعالى: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ}[الرحمن، ٣٧] إلا أن الفعل هنا مذكور، و «الأرض» نائب عن فاعل «مدّت» محذوفة، وكلّ من الفعلين يفسره الفعل المذكور، فلا يجوز أن يتلفّظ به؛ لأن المذكور عوض عن المحذوف، وهم لا يجمعون بين العوض والمعوّض عنه.
  الحكم الثالث: أنهما لا يكونان جملة، هذا هو المذهب الصحيح، وزعم قوم أن ذلك جائز، واستدلّوا بقوله تعالى: {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ}[يوسف، ٣٥]، {وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ}[إبراهيم، ٤٥]، {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}[البقرة، ١١] فجعلوا جملة {لَيَسْجُنُنَّهُ} فاعلا ل (بدا) وجملة {كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ} فاعلا ل {تَبَيَّنَ} وجملة {لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ} قائمة مقام فاعل (قيل)، ولا حجة لهم في ذلك: أما الآية الأولى فالفاعل فيها ضمير مستتر عائد: إمّا على مصدر الفعل، والتقدير: ثم بدا لهم بداء، كما تقول: «بدا لي رأي» ويؤيد ذلك أن إسناد «بدا» إلى البداء قد جاء مصرّحا به في قول الشاعر:
  ٧٦ - لعلّك والموعود حقّ لقاؤه ... بدا لك في تلك القلوص بداء
٧٦ - هذا بيت من الطويل، وقد نسب في اللسان (ب د ا) هذا الشاهد إلى الشماخ بن ضرار الغطفاني، ولم أجده في ديوانه المطبوع، ووجدته في الأغاني (٤/ ١٥٧ بولاق) أول أربعة أبيات منسوبة إلى محمد بن بشير الخارجي في مدح زيد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهجاء رجل
(١) هي قوله تعالى: {إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ١ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ٢ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} وقد تلاها المؤلف في المتن، من سورة الانشقاق، الآيات ١ - ٣.