الأول: أنهما لا يحذفان، خلافا للكسائي والسهيلي
  المقصود، ولا الأصل «ولا يشرب الشارب» فحذف الشارب؛ لأن الفاعل عمدة فلا يحذف، وإنما هو ضمير مستتر في الفعل عائد على الشارب الذي استلزمه «يشرب» [فإن «يشرب» يستلزم الشارب] وحسّن ذلك تقدّم نظيره - وهو «لا يزني الزّاني» - وعلى ذلك فقس، وتلطّف لكل موضع بما يناسبه(١)، وعن الكسائي إجازة حذف
= الموضع الأول: فاعل المصدر في نحو وقله تعالى: {أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ}[البلد، ١٤ و ١٥].
والموضع الثاني: فاعل أفعل في التعجب إذا تقدم له نظير يدل عليه، نحو قوله تعالى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}[مريم - ٣٨].
والموضع الثالث: عند نيابة نائب الفاعل عنه، نحو قوله تعالى: {وَقُضِيَ الْأَمْرُ}[البقرة - ٢١٠].
والموضع الرابع: في إقامة البدل مقام الفاعل نحو قولهم: ما قام إلا هند؛ فهند عند التحقيق ليست فاعل قام، بل هي بدل من فاعل قام، وأصل الكلام: ما قام أحد إلا هند، والدليل على أن هندا ليست فاعلا أنهم التزموا تذكير الفعل المسند إلى اسم واقع بعد إلا، سواء أكان هذا الفاعل مذكرا نحو «ما قام إلا زيد» أم كان مؤنثا نحو «ما قام إلا هند»، ولو اعتبروا ما بعد إلا فاعلا لأنثوا الفعل إذا كان ما بعد إلا مؤنثا.
والموضع الخامس: فاعل قل وكثر ونحوهما إذا اتصلت بهما «ما» الزائدة، نحو قولك: قلما يكون ذلك، وكثر ما كان ذلك.
والموضع السادس: إذا أقيم المضاف إليه مقام المضاف كما في قوله تعالى: {وَجاءَ رَبُّكَ}[الفجر - ٢٢] فإن التقدير - والله أعلم - وجاء أمر ربك.
والموضع السابع: إذا أقيم مقام الفاعل حال مفصلة، نحو قول الشاعر:
كرة ضربت بصوالجة ... فتلقّفها رجل رجل
أصل الكلام: فتلقفها الناس رجلا رجلا، فحذف الفاعل، وأناب عنه الحال المفصلة.
والموضع الثامن: الفاعل الذي حذف للتخلص من التقاء الساكنين، وذلك في الفعل المسند إلى ضمير الجماعة عند توكيده بنون التوكيد، نحو قولك: اضربنّ يا قوم.
(١) أنت تعلم أن الفعل يدل بالوضع على شيئين: الأول الحدث، والثاني الزمان، والحدث هو مدلول المصدر، كما تعلم أن الفعل يدل بدلالة الالتزام على الفاعل، ضرورة أنه لا بد لكل حدث من محدث أحدثه، فإذا قلت «ضرب» مثلا أشعر هذا الفعل بالحدث الذي هو الضرب وبزمان وقوعه، ودل عقلا على أن له محدثا وهو الضارب.
وقد رأينا العرب تذكر ضمير الغائب البارز مع الفعل وهي تريد به الحدث الذي هو جزء من مدلول الفعل وهو مدلول المصدر، كما وقع في قول الشاعر:
إذا زجر السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
يريد إذا زجر السفيه جرى إلى السفه، وتذكر الفعل أحيانا وتجعل فاعله المصدر نفسه كما في الشاهد ٧٦ أو ضميرا مستترا يعود إلى المصدر، فقسنا على هذا ما إذا ذكر الفعل ولم يذكر معه فاعله، فجعلناه ضميرا مستترا يعود إلى اسم الفاعل الذي استلزمه الفعل.