الرابع: أن عاملهما يؤنث لتأنيثهما
  إحداهما: أن يكون الفاعل المؤنث ضميرا متصلا؛ ولا فرق في ذلك بين حقيقيّ التأنيث ومجازيّه؛ فالحقيقيّ نحو: «هند قامت» فهند: مبتدأ، وقام: فعل ماض، والفاعل [ضمير] مستتر في الفعل، والتقدير: قامت هي، والتاء علامة التأنيث، وهي واجبة لما ذكرناه، والمجازيّ نحو: «الشّمس طلعت» وإعرابه ظاهر، ولمّا مثّلت به في المقدمة للتأنيث الواجب علم أن وجوب التأنيث مع الحقيقيّ من باب أولى، بخلاف ما لو عكست، فأما قول الشاعر:
  ٧٧ - إنّ السّماحة والمروءة ضمّنا ... قبرا بمرو على الطريق الواضح
  ولم يقل «ضمّنتا» فضرورة.
  الثانية: أن يكون الفاعل اسما ظاهرا متصلا حقيقيّ التأنيث: مفردا، أو تثنية له، أو جمعا بالألف والتاء؛ فالمفرد كقوله تعالى: {إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ}[آل عمران، ٣٥] والمثنى كقولك: قامت الهندان، والجمع كقولك: قامت الهندات؛ فأما قوله:
٧٧ - هذا بيت من الكامل من كلام زياد الأعجم مولى عبد القيس، من قصيدة له تعد من نادر الكلام ونقي المعاني، يرثي فيها المغيرة بن المهلب بن أبي صفرة.
اللّغة: «مرو» أشهر مدن خراسان وقصبتها، وبينها وبين نيسابور سبعون فرسخا ويقال لها «مرو الشاهجان»، وعلى بعد خمسة أيام منها مدينة أخرى يقال لها «مرو الروذ».
الإعراب: «إن» حرف توكيد ونصب، «السماحة» اسم إن، «والمروءة» معطوف عليه، «ضمّنا» ضمن فعل ماض مبني للمجهول، وألف الاثنين نائب فاعل، مبني على السكون في محل رفع، وهو المفعول الأول، «قبرا» مفعول ثان لضمن «بمرو» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقبر «على الطريق» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة ثانية لقبر، «الواضح» صفة للطريق.
الشّاهد فيه: قوله «ضمّنا» فإن «ضمّن» فعل ماض مسند إلى ضمير المؤنث، وهو الألف العائدة إلى السماحة والمروءة، وكان من حقه أن يؤنث هذا الفعل فيقول «ضمنتا»، لأن كل فعل أسند إلى ضمير مؤنث يجب تأنيثه، سواء أكان هذا المؤنث الذي يعود إليه الضمير مؤنثا حقيقي التأنيث أم كان مؤنثا مجازي التأنيث؛ فترك الشاعر في هذا البيت تأنيث الفعل جار على خلاف الواجب، وذلك شاذ لا يقاس عليه في السعة، ومن أحكام ما يشذ عن المطرد الجاري على ألسنة العرب أنه ليس لنا أن نستعمل مثله لا في نثرنا، وهو بديهي، ولا في شعرنا؛ لأن ما كان يجوز للعرب من الضرائر في أشعارهم لا يجوز لنا في أشعارنا، فافهم هذا.