شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

للفاعل ونائبه خمسة أحكام

صفحة 201 - الجزء 1

  ٧٨ - تمنّى ابنتاي أن يعيش أبوهما ... وهل أنا الّا من ربيعة أو مضر؟

  فضرورة إن قدّر الفعل ماضيا، وأما إن قدّر مضارعا - وأصله تتمنّى فحذفت إحدى التاءين كما قال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى}⁣[الليل - ١٣] - فلا ضرورة.


٧٨ - هذا بيت من الطويل للبيد بن ربيعة العامري، من أبيات له أربعة يقولها لابنتيه، وهو أول هذه الأبيات، وبعده قوله:

فقوما وقولا بالّذي تعلمانه ... ولا تخمشا وجها ولا تحلقا شعر

وقولا هو المرء الذي لا صديقه ... أضاع، ولا خان الخليل، ولا غدر

إلى الحول ثمّ اسم السّلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

اللّغة: «تمنى» يجوز أن يكون فعلا ماضيا مثل تقدم وتذكر وتقدس؛ ويجوز أن يكون فعلا مضارعا، وأصله تتمنى مثل تتزكى وتتقدم وتتهذب، ثم حذف إحدى التاءين؛ لأن كل فعل تصدر بتاءين زائدتين جاز لك حذف إحداهما، كما حذفت من قوله تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى}⁣[الليل، ١٤]، والأصل تتلظى، ومن قوله تعالى: {فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى}⁣[عبس، ٦]، وأصله تتصدى، ونحو ذلك كثير في القرآن، وفي الفصيح المستعمل من لغة العرب «ربيعة أو مضر» هما ابنا نزار بن معد بن عدنان، وهم أبوا العرب العدنانيين، ويراد بمثل هذا التعبير معنى: وهل أنا إلا من الناس ينزل بي ما ينزل بكل واحد منهم.

الإعراب: «تمنى» فعل ماض مبني على فتح مقدر على الألف، أو فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الألف، «ابنتاي» ابنتا: فاعل مرفوع بالألف نيابة عن الضمة لأنه مثنى وهو مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، «أن» حرف مصدري ونصب، «يعيش» فعل مضارع منصوب بأن، «أبو هما» أبو: فاعل يعيش، مرفوع بالواو نيابة عن الضمة لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف وضمير الغائب مضاف إليه، وأن المصدرية وما دخلت عليه في تأويل مصدر يقع مفعولا به لتمنى، وتقدير الكلام: تمنى ابنتاي عيش أبيهما، «وهل» الواو للاستئناف، هل: حرف استفهام، «أنا» ضمير منفصل مبتدأ، «إلا» أداة حصر، «من ربيعة» جار ومجرور بالفتحة نيابة عن الكسرة متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، «أو» حرف عطف «مضر» معطوف على ربيعة، وسكن لأجل الوقف.

الشّاهد فيه: قوله «تمنى ابنتاي» فإن «ابنتاي» مثنى ابنة، وهي مؤنثة حقيقية التأنيث، وقد وقع هذا اللفظ فاعلا لقوله «تمنى» فإن قدرت هذا الفعل ماضيا كان خاليا من علامة التأنيث؛ لأن علامة التأنيث في الفعل الماضى تاء ساكنة تتصل بآخره، فعلى ذلك كان ينبغي أن يقول: تمنت ابنتاي، ولو قدرت هذا الفعل مضارعا محذوف إحدى التاءين كان مؤنثا؛ لأن علامة التأنيث في الفعل المضارع تاء متحركة تتصل بأوله، وكل ما في الباب أن هذه التاء حذفت، والمحذوف لسبب كالثابت في