شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

ترجمة العلامة الراحل محمد محيى الدين عبد الحميد

صفحة 22 - الجزء 1

  «ونذكر لك عملنا في هذا الكتاب لتدرك مقدار الجهد المضني الذي بذلناه في إخراجه على هذه الصورة التي نتمنى أن تخرج عليها الكتب العربية، بل كتب الثقافة الإسلامية عامة؛ لتنقطع ألسنة الأفاكين الذين يتهمون آباءنا بقلة الإنتاج الصحيح، وإذا اعترف أحدهم لهم ذكر في جانب اعترافه هذا أن الإنتاج محدود لا أثر فيه لشخصية المنتج، ولا برهان فيه على الاستقلال والحرية الفكرية، في الوقت الذي يسطو هو على إنتاجهم وعصارة أذهانهم فينتحلها وينسبها لنفسه، وهو بمأمن من أن يعرف ذلك سواد الناس ودهماؤهم؛ لأنهم لا يقرؤون هذه الكتب»⁣(⁣١).

  وهو يمدك برؤية تحليلية عن واقع الأمة، وما تعانيه من عجز عن اللحاق بركب التقدم، وتبوّء المكانة التي تلائم إمكاناتها والأمانة التي حملت إياها في مقال مجمل وإن كان جامعا؛ فيقول:

  «مضى على الشرق الإسلامي حين من الدهر كان سيف الاستعمار مصلتا فوق رقاب أهله: يرهبهم ويخيفهم، ويستأثر دونهم بخيرات بلادهم، ويلفتهم عن السعي المثمر، ويحول بينهم وبين العمل النافع، ويحملهم على ما يرضاه لهم من الحياة الرتيبة التي لا جدّ فيها ولا دأب. وكانت شياطين الاستعمار وأذنابه الذين يجلبهم من نفايات الأمم وأراذلها يجوسون خلال ديارهم ويخالطونهم ويتوددون إليهم، وقد يتملقونهم، وليس في نفوسهم من الود والملق شيء، ولكن ليخدعوهم عن أنفسهم وليستجلبوا إقبالهم عليهم واطمئنانهم لهم، فلا يزالون يختلونهم ويغرّرون بهم حتى إذا رأوا أن قد جازت حيلهم أخذوا يزينون لهم التواكل والخضوع، ثم أخذوا يزهدونهم في تقاليدهم ومقدساتهم، ثم أخذوا يشككونهم في معتقداتهم، ويزعمون لهم أن هذه التقاليد والمقدسات والمعتقدات السبب الأول في تخلفهم وضعفهم، وتحكّم الأجنبي فيهم، ثم أخذوا يلوحون لهم بحضارة الغرب وتقدمه وقوته، فإذا استشرفت أنفسهم لشيء من هذه الحضارة جلبوا لهم منها البهرج الزائف وما يكون سببا قريبا للانحلال والتخاذل، والاستعمار من ورائهم يغريهم ويشجعهم ويحميهم إن جدّ ما


(١) من مقدمة كتاب «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» السابق.