ترجمة العلامة الراحل محمد محيى الدين عبد الحميد
  يستوجب الحماية، وكان من أهم ما يعني الاستعمار وشياطين الاستعمار وأذناب الاستعمار أن يقطعوا الصلة التي تربط الشرق بماضيه المشرق المنير، وأن يحولوا بينه وبين التطلع إلى حضارته التي أضاءت العالم كله يوم كانت قيادة العالم في أيدي أهل الشرق، ويوم كانت قيادة العالم في أيدي العرب من أهل الشرق خاصة، ذلك لأنهم يعلمون أن الشرق الإسلامي والعرب منه خاصة - إن تلفتوا إلى هذا الماضي المجيد رأوا إشراقه وبهاءه فتاقت أنفسهم إلى العودة إليه، وقد يعملون على إعادته، وحينئذ لا يكون لبقاء الاستعمار بينهم مجال، ويعلمون - مع ذلك أنه ما من أمة انقطعت صلة ما بين حاضرها وماضيها - وبخاصة إذا كان هذا الماضي مشرقا مجيدا - إلا صار أمرها إلى فناء.
  وطال على الشرق هذا الليل البهيم حتى نال الاستعمار بعض أمانيه، بالإرهاب والجبروت حينا، وبالخديعة والمكر والدسائس حينا آخر، فإذا وحدة الشرق تتفتت، وإذا كل قطعة من هذا الفتات دولة، وإذا بأس هذه الدول بينهم شديد، وإذا الجفاء والبغيضة يحلان محل الإلاف والوحدة، وإذا مجدهم التليد وحضارتهم الرفيعة وتاريخ هذه الحضارة وعلومها ورجالها في زوايا النسيان، وقد أخذهم بريق من حضارة الغرب يفتن أبصارهم، بريق ليس هو بالنور الساطع الذي يبدد غياهب الظلام، ولا هو بالنور الذي يعقبه ضوء ينتشر في الأفق فإذا الناس يسيرون فيه آمنين، ولكنه بريق يشبه بريق السراب الخادع الذي تراه فتحسبه شيئا فإذا جئته لم تجده شيئا، وخدعهم هذا البريق عن حضارتهم وتاريخها وعلومها، ولم ينالوا به شيئا ذا بال من حضارة الغرب وعلومها ذات الأثر الفعال في بناء الأمم وتجديدها وبعث الحياة في أوصالها، وإذا المتعلمون والمثقفون من أبناء هذه البلاد التي كانت مبعث العلم والثقافة أقلية قليلة بقدر ما يحتاج إليه المستعمر في وظائف الدولة التي يزهد رجاله في تقلدها، وإذا علم هذه الأقلية وثقافتها ضئيلان بقدر ما يجعلها آلات يديرها الاستعمار ويحركها في أهوائه، تسير إذا أراد أن تسير، وتقف كلما أراد لها الوقوف.
  ولأمر أراده الله، ولم تكن للاستعمار فيه يد، بقي معدن هذه البلاد وأهليها سليما نقيّا صالحا للعمل إذا نفض عنه الغبار، وأزيل ما علق به من الصدأ، وجلي جلاء يعيد