الثاني من المنصوبات: المفعول المطلق
  كقولهم: «مكره أخاك لا بطل»(١).
  ثم قلت: الثّاني المفعول المطلق، وهو: المصدر الفضلة المؤكّد لعامله أو المبيّن لنوعه أو لعدده، ك «ضربت ضربا» أو «ضرب الأمير» أو «ضربتين» وما بمعنى المصدر مثله، نحو: {فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} و {وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً} و {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً.}
  وأقول: الثاني من المنصوبات: المفعول المطلق.
  وسمي مطلقا لأنه يقع عليه اسم المفعول بلا قيد، تقول: ضربت ضربا؛ فالضرب مفعول؛ لأنه نفس الشيء الذي فعلته، بخلاف قولك «ضربت زيدا» فإن «زيدا» ليس الشيء الذي فعلته، ولكنك فعلت به فعلا وهو الضرب؛ فلذلك سمي مفعولا به، وكذلك سائر المفاعيل، ولهذه العلة قدّم الزّمخشريّ وابن الحاجب في الذكر المفعول
الشّاهد فيه: قوله «أخاك» حيث يجوز أن يكون منصوبا، وأن يكون نصبه على الإغراء من غير أن يكون مكررا.
واعلم أن الفرق بين نصبب المكرر ونصب غير المكرر من وجهين:
أولها: أن نصب المكرر واجب، في كل كلام، لا يعدل عنه إلا في ضرورة شعرية كقول الشاعر:
إنّ قوما منهم عمير وأشبا ... هـ عمير ومنهم السّفّاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ... ل أخو النّجدة: السّلاح السّلاح
فأما نصب غير المكرر فإنه جائز، بل هو أقل من رفعه.
الوجه الثاني: أن عامل النصب مع المكرر لا يجوز إظهاره؛ لأن التكرار بمنزلة العوض من العامل، ولا يجتمع العوض والمعوض منه في الكلام، فأما غير المكرر فإن إظهار العامل معه لا معابة فيه على من نطق به.
(١) هذا مثل من أمثال العرب، وأول من قاله رجل اسمه أبو حنش، وكان قوم من أشجع قد قتلوا إخوته، وعلم خاله أن ناسا من قتلة أخيه يشربون في غار، فاحتال عليه حتى أدخله الغار عليهم، ثم قال له؛ ضربا أبا حنش؛ فلم يكن له بد من أن يجدّ في ضربهم، فقال بعض من شاهده: إن أبا حنش لبطل، فقال: مكره أخاك لا بطل، كذا قالوا.