الثالث: المفعول له
  مثال ذلك قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}[البقرة، ١٩] فالحذر: مصدر مستوف لما ذكرنا؛ فلذلك انتصب على المفعول له، والمعنى لأجل حذر الموت.
  ومتى دلّت الكلمة على التعليل وفقد منها شرط من الشروط الباقية فليست مفعولا له، ويجب حينئذ أن تجرّ بحرف التعليل(١).
  فمثال ما فقد المصدرية قولك: جئتك للماء وللعشب، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}[البقرة - ٢٩] وقول امرئ القيس:
  ١٠٨ - ولو أنّ ما أسعى لأدنى معيشة ... كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
  ومثال ما فقد الاتّحاد في الزمان قولك: جئتك اليوم للسفر غدا، وقول امرئ القيس أيضا:
١٠٨ - هذا بيت من الطويل لامرئ القيس بن حجر الكندي، من قصيدته التي مطلعها:
ألّا عم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وقد أنشده المؤلف في القطر (رقم ٨١) وأنشد عجزه الأشموني (رقم ٤٠٧).
الإعراب: «لو» حرف امتناع لامتناع، «أن» حرف توكيد ونصب، «ما» مصدرية، «أسعى» فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وما مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب اسم أن، «لأدنى» جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن، وأن مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع فاعل بفعل محذوف، وتقدير الكلام: ولو ثبت كون سعيي ... إلخ، وأدنى مضاف و «معيشة» مضاف إليه، «كفاني» كفى: فعل ماض، والنون للوقاية، والياء مفعول به، «ولم» الواو عاطفة، ولم: نافية جازمة، «أطلب» فعل مضارع مجزوم بلم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، وله مفعول محذوف يرشد إليه معنى الكلام، «قليل» فاعل كفى، «من المال» جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لقليل، وتقدير الكلام: لو ثبت كون سعيي لأدنى معيشة كفاني قليل من المال، ولم أطلب الملك.
الشّاهد فيه: قوله «لأدنى» فإن اللام الداخلة على أدنى دالة على التعليل، لكن لا يقال إن هذا من
(١) الحروف الدالة على التعليل هي: اللام، ومن، وفي، والكاف، والباء، نحو قوله تعالى {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا} وقوله: {وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ} وقوله: {لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ} وقوله: {الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ} وقد مثل المؤلف للام.