شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الرابع: المفعول فيه

صفحة 260 - الجزء 1

  النوع الثاني: ما ليس اسم جهة، ولكن يشبهه في الإبهام، كقوله تعالى: {أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً}⁣[يوسف - ٩] {وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً}⁣[الفرقان - ١٣].

  والقسم الثاني: أن يكون دالّا على مساحة [معلومة] من الأرض، ك «سرت فرسخا» و «ميلا» و «بريدا» وأكثرهم يجعل هذا من المبهم، وحقيقة القول فيه أن فيه إبهاما واختصاصا: أما الإبهام فمن جهة أنه لا يختص ببقعة بعينها، وأما الاختصاص فمن جهة دلالته على كمية معينة؛ فعلى هذا يصح فيه القولان.

  والقسم الثالث: اسم المكان المشتق من المصدر، ولكن شرط هذا أن يكون عامله من مادته، ك «جلست مجلس زيد» و «ذهبت مذهب عمرو» {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ}⁣[الجن، ٩]، ولا يجوز «جلست مذهب عمرو» ونحوه.

  وما عدا هذه الأنواع الثلاثة من أسماء المكان لا يجوز انتصابه على الظرف؛ فلا تقول «صلّيت المسجد» ولا «قمت السّوق» ولا «جلست الطّريق»؛ لأن هذه الأمكنة خاصّة، ألا ترى أنه ليس كلّ مكان يسمى مسجدا ولا سوقا ولا طريقا؟ وإنما حكمك في هذه الأماكن ونحوها أن تصرّح بحرف الظرفية وهو «في» وقال الشاعر - وهو رجل من الجن سمعوا بمكة صوته ولم يروا شخصه - يذكر النبي ÷ وأبا بكر ¥ حين هاجر:

  ١١٣ - جزى الله ربّ النّاس خير جزائه ... رفيقين قالا خيمتي أمّ معبد

  هما نزلا بالبرّ ثمّ ترحّلا ... فأفلح من أمسى رفيق محمّد


١١٣ - هذه ثلاثة أبيات من الطويل، وقد ذكر المؤلف صاحب هذه الأبيات، وقصتها في هجرة النبي ÷، حدثت ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر الصديق ® قالت: لما خفي علينا أمر النبي ÷ أتاني نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فخرجت إليهم، فقال: أين أبوك؟ فقلت: والله لا أدري أين أبي! قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشا خبيثا - فلطم خدي لطمة خرج منها قرطي - والقرط بضم فسكون - حلية الأذن - قالت: ثم انصرفوا، ولم ندر أين توجه رسول الله ÷، ثم أتى رجل من الجن يسمعون صوته ولا يرونه، وهو ينشد - ثم ذكرت الأبيات الثلاثة التي ذكرها المؤلف - وذكرت بعدها: