شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الأول: لن، وهو حرف بالإجماع

صفحة 309 - الجزء 1

  ثم قلت: والمضارع بعد ناصب، وهو «لن» أو «كي» المصدريّة مطلقا و «إذن» إن صدّرت وكان الفعل مستقبلا متّصلا أو منفصلا بالقسم أو بلا، أو بعد «أن» المصدريّة نحو: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي} إن لم تسبق بعلم، نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى} فإن سبقت بظن فوجهان نحو: {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ.}

  وأقول: هذا النوع المكمل للمنصوبات الخمسة عشر، وهو الفعل المضارع التالي ناصبا، والنواصب أربعة: لن، وكي، وإذن، وأن.

  فأما «لن» فإنها حرف بالإجماع، وهي بسيطة خلافا للخليل في زعمه أنها مركبة من «لا» النافية و «أن» الناصبة، وليست نونها مبدلة من ألف خلافا للفراء في زعمه أن أصلها «لا»⁣(⁣١) وهي دالة على نفي المستقبل، وعاملة النصب دائما، بخلاف غيرها من الثلاثة؛ فلهذا قدمتها عليها في الذكر؛ قال الله ø: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ}⁣[طه - ٩١]

  {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ}⁣[يوسف - ٨٠] {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}⁣[البلد - ٥] {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ}⁣[القيامة، ٣] و «أن» في هاتين الآيتين مخففة من الثقيلة، وأصلها أنّه، وليست الناصبة؛ لأن الناصب لا يدخل على الناصب.

  وأما «كي» فشرطها أن تكون مصدرية لا تعليلية.

  ويتعين ذلك في نحو قوله تعالى: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ}


(١) رد العلماء مذهب الفراء بوجهين: أحدهما أن «لن» حرف عامل؛ فإنه ينصب المضارع ويختص به، و «لا» حرف مهمل ولا يعمل شيئا، ويدخل على الاسم والفعل؛ فلو كانت «لن» أصلها «لا» لبقي لها ما كانت عليه من الإهمال وعدم الاختصاص؛ لأن إبدال حرف من حروف الكلمة بغيره لا يقلب وضعها ولا يغير حالها؛ فلما وجدنا هذا الفرق بينهما علمنا أنهما أصلان مختلفان، وليس أحدهما أصلا لصاحبه، واشتراكهما في المعنى العام - وهو النفي - لا يفيد شيئا؛ فإن حروف النفي كثيرة وليس أحدها فرعا عن الآخر، الوجه الثاني: أن دعوى الفراء تتضمن قلب أوضاع العربية ومخالفة أصولها المتلئبة؛ وذلك لأنه يدعى أن ألف «لا» قد انقلبت نونا فصارت الكلمة «لن» والمعهود في العربية هو انقلاب النون ألفا، بعكس ما ذهب إليه الفراء، ألا ترى أن التنوين في النصب في نحو «رأيت زيدا» تقلب عند الوقف ألفا، ونون التوكيد الخفيفة في نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ}⁣[العلق، ١٥] - تنقلب كذلك ألفا عند الوقف، وليس لنا في العربية ألف تنقلب نونا في سوى هذه الكلمة على دعوى الفراء حتى نحمل هذه الكلمة عليها أو نستأنس لهذا المذهب بها.