تضمر أن بعد ثلاثة من حروف الجر
  {فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ}[المؤمنون - ٢٧] {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي}[المائدة - ١١١] {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا}[ص، ٦]، أي انطلقت ألسنتهم بهذا الكلام.
  بخلاف نحو: {وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}[يونس - ١٠]؛ فإن المتقدم عليها غير جملة؛ وبخلاف نحو: {ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ}[المائدة، ١١٨] فليست «أن» فيها مفسرة لقلت، بل لأمرتني، وبخلاف نحو: «كتبت إليه بأن أفعل».
  ومثال ما انتفى عنه الشرط الثاني قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى}[المزمل - ٢٠] {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً}[طه - ٨٩] {وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ}[المائدة، ٧١] فيمن قرأ برفع (تكون) ألا ترى أنها في الآيتين الأوليين وقعت بعد فعل العلم؛ أما في الآية الأولى فواضح، وأما في الآية الثانية فلأن مرادنا بالعلم ليس لفظ ع ل م، بل ما دلّ على التحقيق؛ فهي فيهما مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، والجملة بعدها في موضع رفع على الخبرية، والتقدير: علم أنه سيكون، أفلا يرون أنه لا يرجع إليهم قولا، وفي الآية الثالثة وقعت بعد الظن؛ لأن الحسبان ظنّ، وقد اختلف القراء فيها؛ فمنهم من قرأ بالرفع، وذلك على إجراء الظن مجرى العلم، فتكون مخففة من الثقيلة، واسمها محذوف، والجملة بعدها خبرها، والتقدير: وحسبوا أنّها لا تكون فتنة، ومنهم من قرأ بالنصب على إجراء الظن على أصله وعدم تنزله منزلة العلم، وهو الأرجح، فلهذا أجمعوا على النصب في نحو: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ}[البقرة - ٢١٤] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا}[التوبة - ١٦] {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}[العنكبوت - ٢] {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ}[القيامة - ٢٥] ويؤيد القراءة الأولى أيضا قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ}[القيامة - ٣] {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}[البلد - ٥] {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ}[البلد، ٧] ألا ترى أنها فيهن مخففة من الثقيلة، إذ لا يدخل الناصب على ناصب آخر، ولا على جازم.
  ثم قلت: وتضمر «أن» بعد ثلاثة من حروف الجرّ، وهي: كي، نحو: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} وحتّى: إن كان الفعل مستقبلا بالنظر إلى ما قبلها نحو: {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} و «أسلمت حتى أدخل الجنة»، واللام: تعليليّة مع المضارع