شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الثاني والثالث: واو المعية، وفاء السببية، بعد نفي أو طلب

صفحة 321 - الجزء 1

  وذلك لأن الفاء لو كانت عاطفة لجزم ما بعدها، ولو كانت للسببية انتصب ما بعدها، فلما ارتفع دل على أنها للاستئناف، وقال الله تعالى: {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}⁣(⁣١) الفاء هنا عاطفة كما سيأتي.

  الثاني: أن يكونا مسبوقين بنفي أو طلب؛ فلا يجوز النصب في نحو: «زيد يأتينا فيحدّثنا» فأما قوله:

  ١٤٩ - سأترك منزلي لبني تميم ... وألحق بالحجاز فأستريحا


الاستئناف، ينطق: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الربع، «وهل» الواو عاطفة، هل: حرف استفهام، «تخبرنك» تخبر: فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، والكاف ضمير المخاطب مفعول به لتخبر، «بيداء» فاعل تخبر، «سملق» نعت لبيداء.

الشّاهد فيه: قوله «فينطق» حيث رفع الفعل المضارع، الذي هو ينطق، بعد الفاء مع كون هذه الفاء مسبوقة بالاستفهام، وذلك بسبب أن هذه الفاء ليست دالة على السببية، وإلا لنصب الفعل بعدها، وليست عاطفة، وإلا لجزم الفعل بعدها، لكونه حينئذ يكون معطوفا على مجزوم هو قوله «تسأل» وإنما هذه الفاء في هذا الموضع حرف دالّ على الاستئناف.

١٤٩ - هذا بيت من الوافر من كلام المغيرة بن حبناء، وحبناء أمه، وقد أنشده سيبويه (١/ ٤٢٣).

اللّغة: «أترك منزلي» يريد أنه يفارقه ولا يقيم فيه، «لبني تميم» كنى بتركه منزله لهم عن كونهم لا يستحقون أن يعيش معهم أو يعاشرهم، بسبب أنهم لا يحافظون على حرمة جارهم ولا يرعون حقوقه «أستريحا» أراد أنه يقدر هناك لنفسه السلامة من التكدير والتنغيص.

الإعراب: «سأترك» فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، «منزلي» منزل: مفعول به منصوب بفتحة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة، ومنزل مضاف وياء المتكلم مضاف إليه، مبني على السكون في محل جر، «لبني» جار ومجرور متعلق بأترك، وبني مضاف، و «تميم» مضاف إليه، «وألحق» الواو عاطفة، ألحق: فعل مضارع معطوف على أترك مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، «بالحجاز» جار ومجرور متعلق بألحق، «فأستريحا» الفاء حرف دال على السببية، أستريح: فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعد فاء السببية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والألف حرف إطلاق.


(١) سورة المرسلات، الآية: ٣٦، والفاء في الآية الكريمة عاطفة غير دالة على السببية، ومن أجل عدم دلالتها على السببية ارتفع المضارع بعدها.