شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

النوع الأول: ما لا يطلب المفعول أصلا، وله ست علامات

صفحة 368 - الجزء 1

  إحسانا» و «كنت قائما كونا». والخامس: المفعول به؛ وإنما ينصبه الفعل المتعدي بنفسه، ك «ضربت زيدا».

  وقد قسّمت الفعل بحسب المفعول به تقسيما بديعا، فذكرت أنه سبعة أنواع.

  أحدها: ما لا يطلب مفعولا به البتّة، وذكرت له علامات:

  إحداها: أن يدل على حدوث ذات، كقولك «حدث أمر» و «عرض سفر» و «نبت الزّرع» و «حصل الخصب» وقوله:

  ١٧٧ - إذا كان الشّتاء فأدفئوني ... فإنّ الشّيخ يهرمه الشّتاء

  فإن قلت: فإنك تقول: حدث لي أمر، وعرض لي سفر⁣(⁣١).

  فعندي أن هذا الظرف صفة المرفوع المتأخر، تقدم عليه فصار حالا، فتعلقه أولا


١٧٧ - هذا بيت من الوافر من كلام الربيع بن ضبع الفزاري، وكان من المعمرين.

اللّغة: «كان الشتاء» يريد حدث وجاء هذا الوقت الذي يشتد فيه البرد، «أدفئوني» ألبسوني الثياب الوثيرة أو أوقدوا لي النار ليحصل لي الدفء والحرارة، «الشيخ» أصله من بلغ الأربعين من عمره، وأراد به الذي تقدمت به السن حتى ضعف وعجز عن احتمال البرد «يهرمه» يورثه الهرم وشدة الضعف.

الإعراب: «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه، «كان الشتاء» فعل تام وفاعله، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، «فأدفئوني» الفاء واقعة في جواب إذا، أدفئوا: فعل أمر مبني على حذف النون، وواو الجماعة فاعله، والنون للوقاية، والياء مفعول به، «فإن» الفاء حرف دال على التعليل، إن: حرف توكيد ونصب، «الشيخ» اسم أن، «يهرمه» يهرم: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وضمير الغائب العائد إلى الشيخ مفعول به تقدم على الفاعل، «الشتاء» فاعل يهرم مرفوع بالضمة الظاهرة، وجملة «يهرم» مع فاعله ومفعوله في محل رفع خبر إن.

الشّاهد فيه: قوله «كان الشتاء» فإن هذا الفعل لا يحتاج إلى مفعول به؛ لكونه دالا على مجرد حصول حدث، أي: إذا حصل الشتاء، ونحو ذلك.


(١) هذا اعتراض وارد على قوله «إن هذا النوع لا يطلب مفعولا به البتة» ووجه الاعتراض أن الجار والمجرور يقع بعد هذا النوع من الأفعال متعلقا بها، وقد علم أن الجار والمجرور المتعلق بفعل ما مفعول به في المعنى، وحاصل الجواب من وجهين: أولهما نمنع أن الجار والمجرور متعلق بالفعل، بل هو متعلق بمحذوف، وثانيهما: أن نسلم أنه متعلق بالفعل، لكن لا على جهة وقوعه عليه، بل لكونه سببا وعلة في حدوث الفعل، فلا يكون مفعولا به، بل هو مفعول لأجله، وليس الكلام فيه.