شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الثاني: النعت

صفحة 438 - الجزء 1

  مثلنا، ويستثنى من ذلك «أجمع» وما تصرّف منه، فلا يضفن لضمير؛ تقول: «اشتريت العبد كلّه أجمع» و «الأمة كلّها جمعاء» و «العبيد كلّهم أجمعين» و «الإماء كلّهن جمع».

  ويجب في النفس والعين إذا أكد بهما أن يكونا مفردين مع المفرد، نحو: «جاء زيد نفسه عينه» و «جاءت هند نفسها عينها» مجموعين مع الجمع، نحو: «جاء الزّيدون أنفسهم أعينهم» و «الهندات أنفسهنّ أعينهنّ»، وأما إذا أكد بهما المثنى ففيهما ثلاث لغات: أفصحها الجمع؛ فتقول: «جاء الزّيدان أنفسهما أعينهما» ودونه الإفراد، ودون الإفراد التثنية، وهي الأوجه الجارية في قولك: «قطعت رؤوس الكبشين».

  مسألة: قال بعض العلماء في قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ}⁣[الحجر، ٣٠]: فائدة ذكر «كل» رفع وهم من يتوهم أن الساجد البعض، وفائدة ذكر «أجمعون» رفع وهم من يتوهم أنهم لم يسجدوا في وقت واحد، بل سجدوا في وقتين مختلفين، والأول صحيح، والثاني باطل؛ بدليل قوله تعالى: {لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}⁣[الحجر، ٣٩ وص، ٨٢]؛ لأن إغواء الشيطان لهم ليس في وقت واحد؛ فدلّ على أنّ «أجمعين» لا تعرّض فيه لاتحاد الوقت، وإنما معناه كمعنى كل سواء، وهو قول جمهور النحويين، وإنما ذكر في الآية تأكيدا على تأكيد، كما قال الله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}⁣[الطارق - ١٧].

  ثم قلت: الثّاني النّعت، وهو: تابع مشتقّ أو مؤوّل به، يفيد تخصيص متبوعه أو توضيحه أو مدحه أو ذمّه أو تأكيده أو التّرحّم عليه، ويتبعه في واحد من أوجه الإعراب، ومن التّعريف والتّنكير، ولا يكون أخصّ منه، فنحو «بالرّجل صاحبك»


وأما البصريون الذين منعوا توكيد النكرة مطلقا فقالوا: إن جميع ألفاظ التوكيد معرفة، وإنه يجب أن يتوافق التوكيد والمؤكد في التعريف؛ فلو جوزنا توكيد النكرة للزم اختلاف التوكيد والمؤكد.

فتلخيص الخلاف إذن هو أنه هل يشترط اتحاد التوكيد والمؤكد في التعريف؟ قال جمهور البصريين: نعم، يشترط ذلك، وقال جمهرة الكوفيين: لا يشترط ذلك، وإنما يشترط حصول الفائدة، وممن اختار مذهب الكوفيين - غير ابن مالك - المحقق الرضي والعلامة الشاطبي.