شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

التوابع خمسة:

صفحة 454 - الجزء 1

  [بالمفعول] {يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ}⁣[الرعد، ٢٣]، ف «من»: عطف على الواو من «يدخلونها» وجاز ذلك للفصل بينهما بضمير المفعول.

  ومثال العطف من غير توكيد ولا فصل قول النبي ÷: «كنت وأبو بكر وعمر» و «فعلت وأبو بكر وعمر» وقول بعضهم: «مررت برجل سواء والعدم» ف «سواء» صفة لرجل، وهو بمعنى مستو، وفيه ضمير مستتر عائد على رجل، و «العدم» معطوف على ذلك الضمير، ولا يقاس على هذا، خلافا للكوفيين⁣(⁣١).


(١) مذهب جمهور البصريين التفصيل، وحاصله أن الضمير المرفوع إما أن يكون بارزا منفصلا، وإما أن يكون بارزا متصلا، وإما أن يكون مستترا في رافعه، فإن كان منفصلا جاز العطف عليه بغير فصل بينه وبين المعطوف، تقول: ما أكرمك إلا أنا وخالد، وإن كان متصلا أو مستترا في رافعه لم يجز العطف عليه إلا مع الفصل بينه وبين المعطوف، ويكثر الفصل بواحد من ثلاثة أشياء: أولها الضمير المنفصل، نحو قوله تعالى: {لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ}⁣[الأنبياء، ٥٤]، ونحو قوله جل ذكره {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}⁣[البقرة، ٣٥] - وثانيها مفعول رافع الضمير، نحو قولك: أكرمتك وزيد، وقوله تعالى: {يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ}⁣[الرعد، ٢٣] - وثالثها لا النافية، نحو قوله جل شأنه {لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا}⁣[الأنعام، ١٤٨] - ومذهب جمهور الكوفيين أنه يجوز العطف على الضمير المرفوع بارزا كان أو مستترا، منفصلا كان أو متصلا، مع الفصل بينه وبين المعطوف ومن غير الفصل بينهما، واستدلوا على ذلك بمجيئه في كلام العرب الموثوق بعربيتهم، فمن ذلك ما حكاه سيبويه | من قولهم: مررت برجل سواء والعدم - برفع العدم معطوفا على الضمير المستتر في سواء، لأنه بمعنى اسم الفاعل - ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس قال: إني مع قوم ندعو الله لعمر بن الخطاب - وقد وضع على سريره - إذا رجل من خلفي مرفقه على منكبي يقول: رحمك الله، إني لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ لأني كثيرا ما كنت أسمع رسول الله ÷ يقول: كنت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، قال ابن عباس: فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب، ومن ذلك قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ... كنعاج الفلا تعسّفن رملا

فقوله «وزهر» معطوف على الضمير المرفوع المستتر في «أقبلت» وتقديره هي.

ومن ذلك قول جرير بن عطية بن الخطفي يهجو الأخطل التغلبي النصراني:

ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ... ما لم يكن وأب له لينالا

فقوله «وأب» معطوف بالواو على الضمير المرفوع المستتر في «يكن» وتقديره هو يعود إلى الأخيطل الذي هو تصغير الأخطل.

والبصريون يحملون جميع ذلك على الضرورة، ونحن نرى أن حمل هذه الشواهد - مع أن فيها ما ليس من الشعر في شيء - على أنها ضرورة أو شاذة مما لا يجمل الأخذ به، وعلى هذا يكون مذهب الكوفيين في هذه المسألة أقوم حجة، وأظهر دليلا، من مذهب البصريين وإن نصره المؤلف تبعا لابن مالك.