علامة الأمر دلالته على الطلب وقبول الياء
  ومنه «هات» بكسر التاء، و «تعال» بفتح اللام، خلافا للزّمخشري في زعمه أنهما من أسماء الأفعال، ولنا أنهما(١) يدلان على الطلب ويقبلان الياء، تقول: «هاتي» بكسر التاء، و «تعالي» بفتح اللام، قال الشاعر:
  ٥ - إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت ... عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل
الشّاهد فيه: قوله «نعمت» فإن دخول تاء التأنيث يدل على أن «نعم» فعل ماض؛ لأن تاء التأنيث لا تلحق إلا هذا النوع من أنواع الكلمات، وهذا الذي اختاره المؤلف هو مذهب جمهرة النحاة إلا الفراء، وهو الذي تنصره الأدلة، ويشهد له الاستعمال العربي، وقد أنث صاحب هذا الشاهد «نعم» مع أن فاعلها - وهو قوله «جزاء المتقين» - مذكر لكون المخصوص بالمدح - وهو قوله «الجنة» - مؤنثا.
ونظير هذا البيت في كل ما جيء به من أجله قول ذي الرمة يصف ناقة من قصيدة يمدح فيها بلال بن أبي بردة:
أو حرّة عيطل ثبجاء مجفرة ... دعائم الزور، نعمت زورق البلد
٥ - هذا بيت من الطويل لامرئ القيس بن حجر الكندي، أحد الفحول من شعراء الجاهلية، وأحد أصحاب المعلقات، وهذا البيت من معلقته المشهورة، وحجر اسم أبيه، بضم الحاء وسكون الجيم.
اللّغة: «هضيم الكشح» يريد دقيقة الخصر نحيلته، «ريا المخلخل» ممتلئة الساق، والمخلخل - بضم الميم وفتح الخاءين بينهما لام ساكنة - هو مكان الخلخال، والعرب تستحسن من المرأة دقة الخصر وعبالة الساقين: أي ضخامتهما.
الإعراب: «إذا» ظرف تضمن معنى الشرط يخفض شرطه وينتصب بجوابه، «قلت» فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها، «هاتي» فعل أمر مسند إلى ياء المخاطبة، والجملة في محل نصب
(١) اعلم أولا أن بين الفعل واسم الفعل فرقا، وهو أن الفعل تتصل به ضمائر الرفع البارزة، وهي ألف الاثنين وواو الجماعة وياء المخاطبة، تقول: «المحمدان ضربا بكرا، والمحمدون يضربون بكرا» وتقول في الأمر: «اضربا، واضربوا، واضربي»، فأما اسم الفعل فلا تتصل به هذه الضمائر، بل تقول «صه» و «مه» بلفظ واحد سواء أكان المأمور واحدا أم اثنين أم جماعة، ومن أجل هذا صح للنحاة أن يقولوا: إذا دلت كلمة على معنى الأمر ولم تقبل ياء المخاطبة كانت اسم فعل أمر، ومن أجل هذا أيضا صح استدلال النحاة على ما ذهبوا إليه من أن هات وتعال فعلا أمر وليسا اسمي فعل بأنهما يقبلان دخول ياء المؤنثة المخاطبة عليهما، إذ لو كانا اسمي فعل أمر لدلا على طلب الفعل طلبا جازما ولم يقبلا ياء المؤنثة المخاطبة، وقد قبل كل منهما الياء فيما أنشده المؤلف من قول امرئ القيس وقول أبي فراس، وبهذا التقرير يتم الرد على الزمخشري.