الإنشاء الطلبى
  (١٢) وقال غيره:
  إذا لم تخش عاقبة اللّيالى ... ولم تستحى فاصنع ما تشاء
  (١٣) وقال تعالى:
  {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}
البحث:
  إذا تأملت أمثلة الطائفة الأولى رأيت كلّا منها يشتمل على صيغة يطلب بها على وجه التكليف والإلزام حصول شئ لم يكن حاصلا وقت الطلب. ثم إذا أنعمت النظر رأيت طالب الفعل فيها أعظم وأعلى ممن طلب الفعل منه، وهذا هو الأمر الحقيقي وإذا تأملت صيغته رأيتها لا تخرج عن أربع: هي فعل الأمر كما في المثال الأول، والمضارع المقرون بلام الأمر كما في المثال الثاني، واسم فعل الأمر كما في المثال الثالث.
  والمصدر النائب عن فعل الأمر كما في المثال الرابع.
  انظر إذا إلى الطائفة الثانية تجد أن الأمر في جميعها لم يستعمل في معناه الحقيقي وهو طلب الفعل من الأعلى للأدنى على وجه الإيجاب والإلزام، وإنما يدل على معان أخرى يدركها السامع من السياق وقرائن الأحوال.
  فأبو الطيب في المثال الخامس لا يريد تكليفا ولا يقصد إلى إلزام.
  وإنما ينصح لمن ينافسون سيف الدولة ويرشدهم إلى الطريق المثلى في طلب المجد وكسب الرفعة. فالأمر هنا للنصح والإرشاد لا للإيجاب والإلزام.
  وصيغة الأمر في المثال السادس لا يراد بها معناها الأصلىّ، لأن المتنبي يخاطب مليكه. والمليك لا يأمره أحد من شعبه، وإنما يراد بها الدعاء، كذلك كل صيغة للأمر يخاطب بها الأدنى من هو أعلى منه منزلة وشأنا.