البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

الإنشاء الطلبى

صفحة 186 - الجزء 1

  (٨) وقال أبو الأسود الدؤلي⁣(⁣١).

  لا تنه عن خلق وتأتى مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم

  (٩) وقال آخر:

  لا تعرضنّ لجعفر متشبّها ... بندى يديه فلست من أنداده

  (١٠) لا تمتثل أمرى (تقول ذلك لمن هو دونك)

  (١١) قال أبو الطيب يهجو كاورا:

  لا تشتر العبد إلّا والعصا معه ... إنّ العبيد لأنجاس مناكيد⁣(⁣٢)

البحث:

  إذا تأملت أمثلة الطائفة الأولى رأيت كلّا منها يشتمل على صيغة يطلب بها الكفّ عن الفعل: وإذا أنعمت النظر رأيت طالب الكفّ فيها أعظم وأعلى ممن طلب منه، فإن الطالب في أمثلة هذه الطائفة هو اللّه سبحانه وتعالى والمطلوب منهم هم عباده؛ وهذا هو النهى الحقيقي، وإذا تأملت صيغته في كل مثال يرد عليك وجدتها واحدة لا تتغير، وهي المضارع المقرون بلا الناهية.

  انظر إذا إلى الطائفة الثانية تجد أن النهى في جميعها لم يستعمل في معناه الحقيقي. وهو طلب الكف من أعلى لأدنى، وإنما يدل على معان أخرى يدركها السامع من السّياق وقرائن الأحوال.

  فمسلم بن الوليد في المثال الرابع لا يقصد من النهى إلّا الدعاء للخليفة الرشيد بالبقاء لتأييد الإسلام وإعلاء كلمته.


(١) هو ظالم بن عمرو بن ظالم من قبيلة الدئل، كان شاعرا مجيدا وفقيها محدثا وفارسا شجاعا صحب عليا وشهد معه صفين، وهو أول من وضع النحو بإشارة على ¥، وتوفى سنة ٦٥ هـ.

(٢) المناكيد: جمع منكود وهو قليل الخير: أي أن العبد لا يصلح إلا بالضرب والإهانة