أثر علم المعاني في بلاغة الكلام
  نراك تقول:
  ربابة ربّة البيت ... تصبّ الخلّ في الزّيت
  لها عشر دجاجات ... وديك حسن الصّوت
  فقال بشار: لكلّ وجه وموضع؛ فالقول الأول جدّ، والثاني قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض، فهذا القول عندها أحسن من «قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل» عندك!
  وكثيرا ما تجد الشّاعر يسهل أحيانا ويلين حتى يشبه شعره لغة الخطاب، ويخشن آونة ويصلب حتى كأنه يقذفك بالجلمد. كل ذلك على حسب موضوعه الذي يقول فيه والطبقة التي ينشدها شعره. ومن خير الأمثلة لهذا النوع أبو نواس، فإنه في خمرياته غيره في مدائحه ووصفه.
  واعتبر هذا الأصل بما كان من النبي ﷺ، فإنه لما أراد أن يكتب إلى ملك فارس اختار أسهل الألفاظ وأوضحها فقال:
  «من محمد رسول اللّه إلى كسرى عظيم فارس سلام على من اتبع الهدى وآمن باللّه ورسوله، وأدعوك بدعاية اللّه، فإني أنا رسول اللّه إلى الخلق كافّة لينذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإثم المجوس عليك».
  وحين أراد أن يكتب إلى أكيدر صاحب دومة الجندل فخّم الألفاظ.
  وأتى بالجزل النادر فقال:
  «من محمد رسول اللّه لأكيدر حين أجاب إلى الإسلام وخلع الأنداد والأصنام، إن لنا الضّاحية(١) من البعل(٢) والبور(٣) والمعامى(٤) وأغفال الأرض(٥) والحلقة(٦) والسلاح، ولكم الضّامنة من النّخل(٧) والمعين(٨) من
(١) الضاحية (من النخل): النخلة الظاهرة البارزة الخارجة عن أسوار المدينة والعمران.
(٢) البعل: النخل الراسخة عروقه في الأرض.
(٣) البور: الأرض الخراب التي لم تزرع.
(٤) المعامى: جمع معمى وهي الأراضي المجهولة.
(٥) أغفال الأرض: الأراضي التي لا أثر للعمارة فيها.
(٦) الحلقة بسكون اللام: السلاح عاما.
(٧) الضامنة من النخل: ما كان فيها داخلا في العمارة وأطاف بها سور المدينة.
(٨) المعين: الماء الجاري على وجه الأرض وقيل الماء العذب الكثير.