الإيجاز والإطناب والمساواة الإيجاز
  (٣) لو أردت أن تضع معنى هذا التوقيع في صيغة أخرى مختصرة لما تهيأ ذلك في أقل من ضعف ألفاظه كأن تقول مثلا: ضع مكان كاتبك كاتبا آخر وإلا تفعل فسيوضع مكانك عامل آخر، على أن ألفاظ التوقيع على سلاستها ووضوحها أكثر اتساقا وانسجاما.
  (٤) يقول: إن جورك وظلمك وما سلكته مع الرعية من ضروب العسف، كل ذلك دعاهم إلى العصيان ودفعهم إلى الفتنة، ولو أنك عدلت فيهم وقسمت بينهم بالسوية لرأيتهم وادعين مسالمين؛ ويقول إن وعدك بالعطاء ثم إخلافك قد أوغرا صدورهم فأقدموا على النهب والسلب والتعدي على مال الدولة، ولو أنك وفيت بوعودك ما كان فيهم ناهب ولا سالب.
  (٥) يقول: سارع إلى درء الفساد قبل استفحاله وإلا عظم أمره وعجزت عن مقاومته.
  (٦) يقول: أكسبتهم الطاعة ما نعموا به من غنى وجاه وسلطان وأورثهم التّمرّد والعصيان ما شقوا به من فقر وذل وانحطاط حال، ففي كلمة «أنبتتهم» جميع أسباب الرخاء والنعيم، وفي كلمة «حصدتهم» جميع مظاهر الذل والشقاء من أسر وتشريد ومصادرة وقتل:
  (٧) يقول المأمون: إن الإنسان متى قدر على غدوّه وتمكن منه، سكنت نفسه وذهب عنه الغضب، فعاد لي كرمه وحلمه وآثر العفو على الانتقام، فانظر كيف اجتمعت كل هذه المعاني في ثلاث كلمات مع الوضوح والسلاسة.
  (٨) يقول له: سأكفيك شرّ ما تخاف من فقر وجور وذلّ وغير ذلك من أصناف المكاره، فحذف المفعول الثاني هنا للتعميم ووضع الفعل في صورة الماضي لتأكيد تحقيق الوعد حتى كأنه حصل فعلا، وليفيد أن كفايته آتية لا ريب فيها.
  (٩) يقول جعفر لعامله: عمّ جورك وساءت سيرتك، وسخط الناس عليك، فكثر الشاكون منك، وقل الشاكرون لك فإمّا أن تستقيم وتصلح ما فسد من أمورك؛ وإما أن تعتزل الحكم ليتولاه من هو أولى وأصلح منك.