البلاغة الواضحة،

علي الجارم (المتوفى: 1368 هـ)

مقدمة

صفحة 5 - الجزء 1

مقدمة

  الفصاحة - البلاغة - الأسلوب

  الفصاحة: الظهور والبيان، تقول: أفصح الصّبح إذا ظهر. والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى، سهل اللفظ، جيّد السّبك. ولهذا وجب أن تكون كلّ كلمة فيه جارية على القياس الصّرفى⁣(⁣١)، بينة في معناها، مفهومة - عذبة سلسة.

  وإنما تكون الكلمة كذلك إذا كانت مألوفة الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء، لأنها لم تتداولها ألسنتهم، ولم تجر بها أقلامهم، إلا لمكانها من الحسن باستكمالها جميع ما تقدم من نعوت الجودة وصفات الجمال.

  والذوق السليم هو العمدة في معرفة حسن الكلمات وسلاستها، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه؛ لأن الألفاظ أصوات، فالذي يطرب لصوت البلبل، وينفر من أصوات البوم والغربان، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبة متنافرة الحروف⁣(⁣٢). ألا ترى أن كلمتي «المزنة» و «الدّيمة» للسحابة الممطرة، كلتاهما سهلة عذبة يسكن إليها السمع، بخلاف كلمة «البعاق» التي في معناهما؛ فإنها قبيحة تصك الآذان. وأمثال ذلك كثير في مفردات اللغة تستطيع أن تدركه بذوقك.


(١) فقول المتنى:

فلا يبرم الأمر الذي هو حالل ... ولا يحلل الأمر الذي هو يبرم

غير فصيح؛ لأنه اشتمل على كلمتين غير جاريتين على القياس الصرفى، وهما حالل، ويحلل، فإن القياس حال ويحل بالإدغام.

(٢) تنافر الحروف: وصف في الكلمة يوجب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم المكتسب بالنظر في كلام البلغاء وممارسة أساليبهم.